أكاديميون في ظلمة السجون
مقدمة
هل أصبح وجود الأكاديميين وبروز المثقفين وتصدر المفكرين والعلماء خطرا يقلق الأمير الشاب وهاجسا يقض مضجع ولي العهد المتعطش لكرسي الحكم. وما سر هذه القبضة الحديدية والبطش الجائر الذي ينتهجه محمد بن سلمان ضد عدد كبير من الأكاديميين والعلماء وأساتذة الجامعات.
منذ أن بدأ محمد بن سلمان يخطو خطواته نحو عرش والده بعد إزاحة ابن نايف عن طريقة وهو يقود حملة اعتقالات مسعورة ضد عدد كبير من نخب المجتمع ومثقفيه ولكن اللافت في الأمر استهدافه لعدد من الباحثين والأكاديميين وأساتذة الجامعات.
كيف بدأت القصة
في كل بلاد العالم يحظى الباحث وأستاذ الجامعة والمفكر بمكانة مرموقة ويكون محل تقدير من الحكومة والمجتمع على حد سواء وذلك نظير ما أفنى من عمره في طلب العلم والخدمات الثي يقدمها لمجتمعه من هذا العلم الذي حصل عليه والأبحاث التي قام بها.
إلا أن الواقع في سعودية محمد بن سلمان مختلف جدا فمنذ أواخر عام ٢٠١٧ وهو يعتقل كل من يصمت عن تأييد مشاريعه الهلامية فضلا عن منتقديه وكان لنخب العلم في الجامعات نصيب الأسد من هذا البطش والاعتقال والتغييب.
تفيد تقارير حقوقية أن ما يزيد على ١٣٠ أكاديمي واستاذ جامعي معتقل في سجون ابن سلمان، فيهم ما لا يقل عن خمسة أطباء في تخصصات دقيقة واثنان من أشهر علماء الهندسة في السعودية وعشرات في تخصص الاعلام والصحافة والاقتصاد، فضلا عن العلوم الشرعية والإنسانية الأخرى. والأشد ظلمة ومرارة من هذا أن بعضهم لقي حتفه داخل السجن أو أخفي قسريا فلا يعلم عنه شيء منذ سنوات. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل منعت كتب ومؤلفات بعضهم. وأغلقت مواقع الكترونية كان يشرف عليها آخرون وفصل فئة ثالثة من وظائفهم بدون مبرر قانوني ، ناهيك عن الأذى والمضايقة التي يتعرض عليها أبنائهم وزوجاتهم وهم مغيبون خلف القضبان.
السر المعلوم
وقد يستغرب الكثير ما سر العداء والكراهية والتحامل الذي يحمله ابن سلمان لهذه النخبة المتميزة والصفوة من المجتمع والحقيقة أنها لا تخرج عن أمرين:
١- علم ابن سلمان مدى تأثير هؤلاء على المجتمع ومدى ثقة المجتمع فيهم وكيف أنهم اصبحوا رقما صعبا لا يمكن تجاوزه بما لديهم من علم وقدرات وبالقاعدة الشعبية التي يملكونها.
٢- وهذا الذي لا يعلمه إلا قلة هو إحساس ابن سلمان ومن حوله بالضعف والهشاشة العلمية والثقافية أمام هؤلاء لذلك اصابهم الحقد وحب الانتقام على كل من هو أفضل منهم سوء بالعلم أو الخبرة أو حتى المال، ولذلك نراهم يبطشون بأشخاص أحيانا لم يكن لهم مواقف سياسية او مجتمعية تذكر فقط لأنهم برزوا علميا أو ثقافيا. إنه مرض نفسي عضال واعتلال شخصي كبير. فهو الإحساس بالهزيمة والضعف وعدم الشرعية الذي يطارد ابن سلمان في كل مكان ويكاد أن يسقطه يوما ما.
ولفرط جهله لم يتعامل ابن سلمان وفريقه بحكمة مع نخب المجتمع خاصة الأكاديميين منهم، فقد كان من السهل احتوائهم واشراكهم في خطط البناء والتنمية وجعلهم منارات محفزة للتغير وداعمة للتطوير ومساهمة في تحقيق الأهداف وتصويب الأخطاء إن وجدت ولكن الأخيرة بالذات هي التي لا يقبلها ابن سلمان ويعلم أنه ليس من السهل أن يسير هؤلاء وفق أهوائه.