الحج بنكهة السياسة السعودية
يحل موسم الحج ١٤٤٢–٢٠٢١ بعد أيام قلائل، وهو الموسم الثاني خلال جائحة كوفيد–١٩ والتي اتخذتها الحكومة السعودية ذريعة لإحكام مزيد من السيطرة على الشعيرة المقدسة وأهم اجتماع إسلامي سنوي عالمي. (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ). في حين أن من حق الدول المشروع أن تدير وتنظم المناسبات الثقافية والدينية الواقعة تحت سيطرتها بما لا ينتهك حق أحد، فقد اتخذت الحكومة السعودية موسم الحج ليكون موسما للاستغلال المادي، والتهريج السياسي، والتصيد الأمني وكل ما هو بعيد عن روح الإسلام وشعيرته الكبرى، التي ترمز للوحدة والأخوة والتسامح.
فمن المعلوم في الإسلام بل ومن قبله في الجاهلية أن حرمة البيت الحرام وخدمة حجاجه وزواره أمر في غاية القداسة والتبجيل، ولا يمكن بحال أن تدنسه السياسة وتعقيداتها. فلم يكن يمنع من بيت الله أحد، ولا يؤخذ فيه بثأر أحد. بل إن شجره وصيده آمن، فكيف بعباد الله؟ وعلى الرغم من كل ذلك، تضرب الحكومة السعودية بكل تعاليم الإسلام وعادات العروبة التي تدعيها عرض الحائط، في الوقت الذي يتم انتهاك حرمة الشهر الحرام والبلد الحرام بالترصد لكل من كانوا على قوائمه الأمنية أو قوائم حلفائه من طغاة العرب والعجم، ليقوم باعتقالهم وتسليمهم إلى جلاديهم. إن استخدام الحج والعمرة كوسيلة للترصد لأي شخص كان، إنما هو خرق للمواثيق الدولية وحقوق الإنسان والتي تضمن حق التنقل للإنسان، خصوصا بعدما يتم منحه تأشيرة الدخول. ناهيك عن منع منح التأشيرات أو منع الدخول بعد منحها لعدد من الشخصيات بحجة مواقف سياسية مناوئة أو انتماءات معينة. وكأن الأراضي المقدسة ملك للنظام.
(إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ / فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا)
في حين يحتفى ويستضاف ويكافأ بالحج كل طاغية مجرم سفاح على حساب أموال الشعب، يعاني أغلب المسلمين في الحصول على تصريح أو إيجاد نفقة لشعيرة تؤدى في العمر مرة واحدة. إن تكاليف أداء شعيرة الحج أو العمرة المزايدة بشكل جنوني كل عام ما هي إلا حلقة ضمن سلسلة تسييس الحج وتسليعه ليكون أحد مصادر دخل الدولة المترنحة اقتصاديا. أضف إلى هذا، توظيف أزمة كوفيد–١٩ لبسط مزيد من السيطرة من قبل الدولة على الحج والعمرة، وتعرية كثير من شركات الطوافة العريقة من مزاولة مهنتها التي امتدت لعشرات أو مئات السنين، والتي كانت تضم الآلاف من الوظائف لأبناء الحجاز، ليكون الحج تحت سيطرة مباشرة من قبل وزارة الحج، وبمبالغ عالية جدا.
ولا ينتهي تسييس الحج عند هذا، بل يتجلى استغلال الحج في أهم حدث في الحج وهو وقوف الحجاج في عرفة وحضورهم لخطبة ذلك اليوم المشهود سنويا، وليس يخفى ما لهذه الخطبة من ترقب وتأثير على نفوس ملايين المسلمين في أرجاء المعمورة. فمن المؤسف أن تتحول هذه الخطبة إلى مهرجان ترويج سياسي باهت، وتسويق بلباس ديني متهالك لسياسات تسبح بحمد زعمائها بدلا من ربها. والأعجب أن يتم استغلال هذا المنبر للترويج لسياسات الظلم وانتهاك حقوق الإنسان تحت غطاء ديني، فقد هاجم مفتي البلاد ذات مرة على منبر يوم عرفة الدعوة إلى إقامة دولة مدنية ديموقراطية، زاعما أنها تخالف تعاليم الإسلام! لذا، صار من غير المفاجئ أن يتم تهميش القضايا المركزية الكبرى للأمة مثل قضية فلسطين، ليحل محلها التسبيح بحمد قادة البلاد وشكرهم على موسم الحج، بل وتهنئتهم بنجاحه حتى قبل انتهائه.
لذا بات من غير المستغرب أن تتزايد دعوات تدويل الحرمين ووضعه تحت وصاية تحترم قداسته وتصون كرامته بعيداً عن لوثات السياسة واستغلال الحكومات. وبصرف النظر عن واقعية مثل هذه الدعوات أو تأييدها، فإن الأمر المؤكد هو الدعوة إلى إنهاء استخدام الحرمين كأدوات سياسية أو اقتصادية، والكف عن استغلالها تحت اسم الدين لبسط مزيد من السيطرة الأمنية. إن أفضل وسيلة لمقاومة دعوات التدويل هو أن يتم التوقف فوراً عن تسييس الحج، وأن يتم ضمان سلامة الحجاج من التصيد الأمني، والاستغلال المادي، والدعاية السياسية الرخيصة.