سجن “شعار” مقبرة الأحياء ومستودع العذاب
لم تكن صورة السجون السعودية براقة مهما حاول النظام إبراز ذلك والحرص عليه، وتضليل الرأي العام المحلي والدولي بأنها سجون عالية المقاييس مكتملة المعايير. إلا أن الحقيقة المرعبة والمخجلة أن سجون النظام السعودي لا تحرم النزلاء حقوقهم المشروعة فحسب، بل تمارس ضدهم أشد أنواع الانتهاكات وأشكال التجاوزات.
وفي جنوب غرب السعودية وتحديدا شمال مدينة أبها بـ١٨ ميلا يقع سجن أمن الدولة المعروف باسم ( سجن شعار ). وتفيد تقارير حقوقية مروعة وشهود عيان بأن سجن أبها ( شعار) يمارس ضد المعتقلين العديد من الانتهاكات وأنهم يتعرضون لأنواع من التعذيب الممنهج والانتهاكات المتكررة، بالاضافة إلى سوء التغذية والرعاية الصحية.
مستودع العذاب
أصبح دارجا بين ضباط الأمن وحراس السجون في السعودية تسمية سجن شعار بالمستودع كناية عن أن من يُنقل إليه سوف يرمى كقطعة أثاث مهملة، وسيمكث فيه فترة طويلة دون أن يفرج عنه أو يعرض على محاكمة، بالاضافة إلى ما يتعرض له من تعذيب وانتهاكات جسيمة، وهذا ما تنتهجه السلطات السعودية مع من تريد الزيادة في تعذيبه واهماله هو نقله من سجون مثل ذهبان والحائر وغيرها إلى سجن أبها ( شعار ).
وهذا بالفعل ما عمدت إليه الأجهزة الأمنية مؤخرا من نقل جميع المعتقلين الفلسطينين من سجون متفرقة وجمعتهم في سجن شعار في ظروف صحية وإنسانية مزرية ، ومن ضمنهم الدكتور محمد الخضري الذي يبلغ من العمر ٨٣ عاما، والذي نقل من سجن ذهبان بمدينة جدة وكان يمشي على عكاز ولديه سرطان في البروستاتا ويحمل معه قسطرة بولية.
وقد ذكر أحد شهود العيان – تحتفظ سند بمعلوماته – أن الخضري عومل معاملة سيئة وقاسية جدا عند نقلة من جدة إلى أبها، وأن ضابط الأمن كان ينهره ويوبخه باستمرار، وأثناء انتظار الطائرة استند الخضري على الحائط ليرتاح فخاطبه ضابط أمن الدولة بعبارة “وقف يا ولد ولا تستند على الجدار“، وعند وصوله للسجن حاول أحد حراس السجن مساعدته في حمل أغراضه فنهره ذات الضابط بشدة ومنعه من ذلك. ولم يكن الحال أفضل عندما استقر في سجن شعار كما شهد بذلك أحد المطلعين من داخل السجن – فضل عدم ذكر اسمه -. وقال: إن الخضري تعرض للإهمال الطبي والمنع من تناول الأدوية رغم تدهور حالته الصحية وأنه يعامل معاملة سيئة ولا إنسانية.
ومن الأشخاص الذي تم نقلهم من سجن ذهبان إلى شعار مصريان يُدعيان شهاب أحمد وحسن جبر وقد تعرضوا في سجن أبها للتعذيب والضرب والصعق بالكهرباء والحبس الانفرادي، وتم تلفيق تهم ضدهم من خلال تدوينات لهم على الفيس بوك عندما كانا مقيمين في مصر تندد بانقلاب السيسي. وقد ولدت زوجة شهاب وهو في المعتقل ولا يزال ، بينما أطلق سراح جبر بعد سنة ونصف من الاعتقال والتعذيب داخل سجن أبها ورحل بعدها بعد أن تم أخذ إقرار عليه بعدم التحدث عما حصل له.
ومن أشكال التعذيب التي يمارسها سجن أبها، هو التعذيب في غرف مظلمة، حيث يتم ضرب المعتقل حتى يغمى عليه ثم يرش بالماء ليفيق ثم يعاودون ضربه مرة أخرى، وممن تعرض لهذا النوع من التعذيب رجل ستيني يُدعى ”أبو خالد“.
كما يمارسون طريقة أخرى لتعذيب النزلاء، وهي: ترك أضواء العنابر منارة دائما ولا تُطفأ أبدا حتى وقت النوم. وقد ذكر شاهد عيان أن جميع ضباط السجن يتعاملون مع النزلاء بلا رحمة وبكل قسوة وعنف وأنهم يتعمدون إيذائهم نفسيا وبدنيا.
الإهمال الطبي المتعمد
تفيد مصادر “سند” بأن طاقم الأطباء في سجن شعار من الجنسية الهندية وطاقم التمريض من الجنسية الفلبينية، وأن الأطباء لا يتعاملون بطريقة مهنية ولا أخلاقية مع المرضى، ويتعرض المعتقلون للإهمال الطبي عمدا لزيادة عذابهم ومعاناتهم، كما أن طاقم التمريض مهمل جدا ولا يؤدي دوره بالشكل المطلوب.
ومن صور التعذيب الطبي الممنهج إعطاء بعض المعتقلين أدوية نفسية عالية الخطورة تجعل المعتقل ينام لفترات طويلة جدا، وعند استفاقتهم يعانون من اضطرابات نفسية حادة وحالة نسيان وشرود ذهني كبير وربما خوف أو عدوانية تجاه الآخرين. فضلا عن تعرضهم للتبول اللاإرادي أثناء نومهم.
ومن صور التعذيب الطبي ما تعرض له المعتقل ( أ ص ) ـ تحتفظ سند باسمه– حيث كسرت يده تحت التعذيب الشديد في سجن ذهبان، ليراه الطبيب بعد ٣ أيام ثم ينقل على الفور لسجن شعار وأهمله الأطباء تماما رغم علمهم بكسر في يده، مما أدى لمضاعفات كبيرة في إصابته فضلاً عن الآلام التي عاناها.
اعتقال وتعذيب بلا تهم
أعتاد النظام السعودي على تلفيق التهم للمعتقلين أو اتهامهم بقضايا ليسوا طرف فيها، لكن من أغرب التهم التي يواجهها رجل الأعمال محمد صلاح السعدون المعتقل في سجن شعار تواصله مع شخص اسمه محمد أوردوغان. والسعدون كان له سابقا نشاط تجاري مع شركات تركية في الاستيراد والتصدير ومن ضمن الأشخاص الذي تعامل معهم في تركيا تاجر يدعى محمد آوردوغان لأغراض تجارية. ولم يكن يدور في باله أن مجرد تشابه الأسماء سيؤدي به للاعتقال ثم النسيان في سجن شعار السيء الصيت، ولا يزال معتقلا منذ أبريل ٢٠٢٠ بهذه التهمة الغريبة.
وفي ذات السياق لم يكن يعلم القارئ عبدالمجيد الأركاني –الذي قرأ آيات من القرآن في افتتاح مؤتمر أقامته رابطة العالم الاسلامي في السعودية وحضره الأكاديمي والكاتب التركي ياسين أقطاي– أن ذلك سوف يكون سببا في اعتقاله، حيث أعجب ياسين بتلاوته فدعاه وسلم عليه ثم تبادلا أرقام الاتصال ليفاجأ الأركاني باعتقاله بتهمة التواصل مع ياسين، وقد أكد الأول أنها لم تكون سوى رسائل تهنئة بالعيد بعد ذلك اللقاء، وأثناء التحقيق ضرب ضرباً شديداً، وحبس في العزل الانفرادي بسجن شعار فترة طويلة.
ومن الذين تعرضوا للاعتقال بسبب تهم غريبة استشاري العيون الدكتور بدر حنفي البالغ من العمر ٦٥ عاما ، والذي تحدث أمام ممرضة تعمل معه وأثنى عن الرئيس أوردوغان وأن تركيا تطورت كثيرا في عهده ، فوشت به واعتقل بسبب ذلك بتهمة انتمائه للأخوان، رغم أنه لم يعرف عنه أي نشاط سياسي أو توجه فكري وحتى أنه لا يملك هاتفا ذكيا ولا يتعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي. وقد حرم –كما تفيد المصادر– من تناول أدويته وينقل إلى المحكمة مقيد اليدين والرجلين معصوب العينين، ويؤكد من رأوه داخل سجن شعار أنه بدأت عليه أعراض الزهايمر.
ويوجد في سجن شعار عدد ليس بالقليل بسبب تضامنهم مع القضية الفلسطينية أو تدوينهم تغريدات أو منشورات في الفيس بوك ترفض قرار ترامب نقل السفارة الأمريكية في إسرائيل إلى القدس، في تناقض صارخ بين تصريحات الدولة الرسمية وتعبير الناس عن آرائهم حول هذه القضية.
العذاب النفسي للمعتقلين
من صور التعذيب النفسي الذي يمارسه سجن شعار ضد المعتقلين الحرمان من التواصل مع ذويهم وتمارس إدارة السجن صورا عدة، منها: يبقى المعتقل ينتظر دوره في الاتصال من الصباح حتى الساعة الخامسة عصرا، ثم بعد ذلك يخبر أنه لا يمكنه الاتصال اليوم ويعاد إلى عنبره. وكذلك من الأساليب أن يتصل على عائلته فإذا لم يجبه أحد يخبرونه أن فرصته قد انتهت وعليه الانتظار لأسبوع أو أكثر للبحث عن موعد آخر.
ومن صور التعذيب النفسي أيضا، الحبس الانفرادي لفترات طويلة والمنع من التواصل مع أي أحد، ومن أقساها كذلك أن بعض الممرضين يمارسون التحرش الجنسي ولمس الأجزاء الحساسة للمعتقلين ولا يعلم هل هذا التصرف بعلم إدارة السجن أم من الممرضين أنفسهم وسوء سلوكهم.
سجن أبها (شعار) قصة مأسوية في العذاب والاجرام والتنكيل بالنزلاء، وصورة واضحة لحقيقة السجون السعودية وما يتعرض له المعتقلون من انتهاكات، وأنواع لا يمكن تصورها من التعذيب النفسي والجسدي والإهمال المتعمد الذي يسوق إلى الموت البطيء المقصود.
وتدعو منظمة “سند” السلطات السعودية للتوقف فورا عن هذا النهج الاجرامي المشين وتلك الانتهاكات الممنهجة التي تمارسها في سجونها، كما تناشد المجتمع الدولي ومنظماته الحقوقية والإنسانية التدخل العاجل للضغط على الحكومة السعودية لوقف هذه الانتهاكات، وأن يمكّن جميع النزلاء من الخضوع لمحاكمات عادلة، وأن يسمح لهم بتوكيل محامين فضلا عن السماح للمنظمات الحقوقية العالمية بزيارة السجون والتقاء المعتقلين.