انتقادات دولية لمشروع نيوم.. وما علاقته بالتطبيع مع الكيان الصهيوني؟
وجهت حكومة المملكة العربية السعودية ضربة قوية للاقتصاد الوطني منذ 2018، وذلك بإقرارها بطريقة غير مباشرة، خلال اجتماع مع رجال ومستثمرين مؤخراً، بفشل خطتها الاقتصادية التي أطلقت عليها “رؤية المملكة 2030” ومن ضمنها (مشروع نيوم)، بسبب عزوف الاستثمار عن أبرزها، ويعد الإقرار بفشل ذلك المشروع الذي صوره الإعلام السعودي على أنه الأضخم في تاريخ المملكة، وأحد حلولها ليكون بديلاً عن النفط، ضربة للاقتصاد السعودي، لكون السلطات القائمة على المشروع لم يجد تمويلاً كافياً له، خاصةً مع وصول الدين العام إلى 576 مليار ريال (153.6 مليار دولار).
تعطيل التطبيق
يرجع مراقبون دوليون أسباب فشل السلطات السعودية في خطتها الاقتصادية إلى افتقارها لمقوّمات القيادة في عصر ما بعد النفط؛ بسبب اعتمادها على المال السهل والسريع من مبيعات البترول، وخلصت دراسة بريطانية حديثة إلى أن “رؤية 2030″، التي أطلقها بن سلمان (أبريل 2016)، محكوم عليها بالفشل، مُرجعة ذلك إلى تداخل اختصاصات الهيئات الحاكمة في السعودية، فضلاً عن مركزية الدولة الشديدة.
واعتبرت الدراسة، التي نشرها مركز “كارنيغي” للدراسات، وحملت عنوان “إخفاق الحوكمة المناطقية في السعودية”، أن هناك تبايناً بين ما تتطلع الدولة إلى تحقيقه في “رؤية 2030″، والإمكانات والسلطة التي تتمتع بها هيكلية الحوكمة “العاجزة”- مثل وزارة الشؤون البلدية والقروية- لتنفيذ تلك التطلعات.
ورأت الدراسة البريطانية أن المسعى الذي يبذله ابن سلمان لإضفاء المركزية على جميع آليات صناعة القرارات -وفق ما تُظهره العملية الهرمية من الأعلى إلى الأسفل والتي أنتجت رؤية 2030- “لا يمكن النظر إليه إلا على أنه محاولة لكبح الانتقادات السياسية والاضطرابات الاجتماعية المحتملة”، وأن المركزية والتداخل بين سلطات الحوكمة المحلية يعطلان تطبيق المشاريع؛ ما يؤدي إلى تقويض صدقية المؤسسات المحلية والمركزية على السواء.
رأي الصحافة الدولية
وأكدت صحيفة التايمز البريطانية أن المدينة المستقبلية -نيوم- على ساحل البحر الأحمر والتي خططت لها السعودية كواجهة لخطتها في تنويع الاقتصاد تبدو مؤجلة وحلما تحطم لعدة أسباب، منها اغتيال عبد الرحيم الحويطي، أبرز منتقدي المشروع، ورفض أبناء قبيلة الحويطات ترك ممتلكاتهم لإفساح المجال لمخطط نيوم الذي تبلغ تكلفته 500 مليار دولار، فضلا عن المشاكل الاقتصادية.
بينما تطرقت صحيفة واشنطن بوست إلى عمليات الإنفاق المبالغ فيها للنظام السعودي والاستثمارات الفاشلة التي قام بها في ظل وضع مالي دقيق وصعب مع تراجع أسعار النفط، فوفقاً لصندوق النقد الدولي، سيصل صافي الدين السعودي إلى ما يقرب من 19 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، ويتوقع أن يرتفع إلى 27 بالمائة، مع استمرار تداعيات أزمة فيروس كورونا وحرب أسعار النفط التي يمكن أن تجعل صافي الاستدانة يصل إلى 50 بالمائة بحلول عام 2022.
أما صحيفة التايمز فأكدت في تقرير لها، أن هناك شكوك متزايدة حول جدوى مشروع مدينة نيوم وبات كحلم تحطم وذلك بسبب انهيار أسعار النفط ؛ نتيجة حرب أسعار بين السعودية والمنتجين المتنافسين روسيا والولايات المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، قللت جائحة كورونا الطلب على النفط، الذي تعتمد عليه المملكة بالكامل تقريبا، بالإضافة إلى الأحداث المتسارعة في السعودية.
أما صحيفة “لوبينيون” الفرنسية قالت، إن بناء مشروع مدينة “نيوم” المستقبلية وسط الصحراء السعودية يراكم حالات التأخير والمغادرة للمتعاونين الذين لا يستطيعون تحمل الضغط المُمارس لتحقيق المشروع الطموح للسلطة السعودية.
وأوضحت أن المهندسين وجدوا صعوبات في الرد على طلب بن سلمان القاضي بحفر سفح الجبل بارتفاع 800 متر وما يعادل ارتفاع 30 طابقا من أجل إقامة سلسلة من الفنادق والمساكن. ومن بين مطالب ولي العهد السعودي الأخرى، مشروع بناء عشرات القصور، كل منها أكبر من ملعب لكرة القدم، تم اقتراح 50 نموذجاً مختلفاً لها، لكن الفرق التي غادرت المغامرة تتساءل ما إذا كان البعض مستعدا لشراء هذه المباني التي يمكن أن يصل سعر الواحدة منها إلى 400 مليون دولار، بحسب دراسة لخطط المشروع وللقاءات التي أجريت مع أشخاص شاركوا في تطوير “نيوم”.
نيوم نافذة للتطبيع
وكشفت مصادر مطلعة لصحيفة الشرق عن أن مشروع “نيوم” الذي يكلف نحو نصف تريليون دولار حظي بموافقة تل أبيب، ويشكل خطوة كبيرة على طريق التطبيع الاقتصادي والجغرافي مع إسرائيل، فالمشروع بمثابة نافذة حقيقة لإتمام التطبيع الاقتصادي والجغرافي مع الكيان الصهيوني، ولاسيّما بعدما تحدّث وزير المواصلات الصهيوني “يسرائيل كاتس” عن نوايا جديّة لدى تل أبيب لربط شبكة السكك الحديدية الإسرائيلية بالشبكة الأردنية ومنها إلى السعودية ودول الخليج.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو قد ذكر مراراً وتكراراً أنَّ علاقات إسرائيل بالدول العربية أصبحت أفضل مما مضى بكثير، وإن كان الحديث عن معظم أوجه التعاون غير ممكنٍ، نظراً إلى عدم وجود علاقاتٍ رسمية تربط تلك الدول بإسرائيل، لكنه يأمل أن يكون هذا المشروع بداية لعلاقات رسمية بين إسرائيل وهذه الدول.
ويعد المشروع مقترحاً إسرائيلياً، حيث عرضه المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي جايسون غرينبلت الذي كان يزور القدس المحتلة، ووقتها أيضاً صرّح وزير المواصلات والشؤون الاستخبارية الإسرائيلي يسرائيل كاتس، بأن من شأن هذه الخطّة أن تمنح السعودية ودول الخليج منفذاً على البحر المتوسط.
وترتكز الخطّة على توسيع البنية التحتية القائمة لسكة القطار في منطقة “هعيمق” ومشاريع القطارات القائمة التي خطط لإنشائها في الأردن والسعودية، كما تنص على توسيع البنية التحتية القائمة لسكة القطار في منطقة “هعيمق”، ومشاريع القطارات القائمة والتي خطط لإنشائها في الأردن والسعودية. وعليه يُربط قطار “هعيمق” من منطقة بيت شان بمعبر الشيخ حسين على نهر الأردن، ومن هناك يوجد مخطط للربط داخل الأردن. فيما تعمل شبكة القطارات السعودية على ربط دول الخليج بالأردن ومن هناك بالكيان الإسرائيلي ومرفأ حيفا والمرافئ البحرية الأخرى.
والعلاقات مع إسرائيل ضرورية للسعودية من أجل إنجاز مشروع ”نيوم”، ولذلك فإن اتفاقات التطبيع التي وُقِّعت بين كل من الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان من جهة وإسرائيل من جهة ثانية، تصبّ في مصلحة السعودية.
وفي حزيران/يونيو 2017، سلّمت مصر جزيرتَي تيران وصنافير الواقعتَين قبالة الساحل السعودي وشبه جزيرة سيناء، إلى السعودية، انطلاقًا من اعتقادها بأن الاقتصاد المصري سيُفيد من مشروع “نيوم”. في الواقع، تخطط السعودية لتشييد جسر يعبر مضيق تيران ويربط مصر بمدينة “نيوم”. ولكن من أجل توسيع الطريق السريع السعودي 392 وبناء جسر سعودي-مصري، يجب إجراء مفاوضات مع إسرائيل بهذا الخصوص. فالتطبيع مصر مع إسرائيل في عام 1979 تنص على ضمان مرور السفن الإسرائيلية مجانًا عبر مضيق تيران، ولذلك يتوقّف المشروع على موافقة إسرائيل.
وفي تقرير نشرته صحيفة نون بوست فإن المشروع يصب في المقام الأول في خدمة مستقبل “إسرائيل” الاقتصادي من خلال تنمية صحراء نقب فلسطين، وهي المنطقة التي يعتبرها خبراء رمانة الميزان في استمرارية دولة الاحتلال لعقود طويلة مقبلة، كونها أول خطوة في طريق تحقيق حلم تل أبيب في أن تكون وطن يهود العالم عن طريق استيعاب أعداد كبيرة من المهاجرين في مشروعات التنمية.
ورغم أن النقب من أقل المناطق نموًا في “إسرائيل”، فإن السلطات هناك تخطط لتحويلها إلى قاعدة صناعية وزراعية جديدة تعزز قوة الاقتصاد الإسرائيلي، وتمنحه التفوق النسبي على الاقتصادات المجاورة.