السعودية غير مؤهلة لاستضافة كأس العالم 2034
السعودية غير مؤهلة لاستضافة كأس العالم 2034
تتطلب استضافة كأس العالم، الحدث الرياضي الأكبر عالميًا، أكثر من مجرد بنية تحتية متقدمة واستعدادات لوجستية، بل تستدعي التزامًا راسخًا بالقيم الإنسانية والمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، و في ضوء إعلان المملكة العربية السعودية استضافة كأس العالم 2034، يطرح تساؤل ملحّ حول مدى ملاءمة هذا القرار في ظل السجل الحقوقي المظلم الذي يطغى على واقع الحياة اليومية في البلاد.
يهدف هذا التقرير إلى تسليط الضوء على الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان في السعودية والتأكيد على أن المملكة ليست مؤهلة لاستضافة حدث رياضي عالمي بهذا الحجم.
البيئة الحقوقية في المملكة العربية السعودية:
تعاني المملكة العربية السعودية من بيئة حقوقية مشحونة بالقمع والخوف، حيث تتعرض الحريات الأساسية للانتهاك بشكل مستمر وممنهج، في الوقت الذي تسعى فيه إلى غسيل رياضي لتبييض سجلها الحقوقي السيء، مع قيامها بإصلاحات اجتماعية واقتصادية شكلية لا تعكس تغييرًا حقيقيًا في الالتزام بمبادئ حقوق الإنسان.
الاعتقالات التعسفية وقمع حرية التعبير
في السعودية، يعتبر التعبير عن الرأي بحرية ترفًا غير مسموح به، إذ تواجه أي محاولة لانتقاد الحكومة أو سياساتها ردود فعل قاسية تشمل الاعتقال، المحاكمات الجائرة، وأحيانًا الإخفاء القسري، وفي حالات معينة، وصل القمع الحكومي حد الإعدام، كما حدث مع المعلم المتقاعد محمد الغامدي قبل أن تتراجع الحكومة وتلغي الحكم بفضل الضغوط الدولية المكثفة، فيما لا يزال العديد من المعتقلين يواجهون أحكامًا طويلة الأمد، مثل نورة القحطاني التي تواجه حكمًا بالسجن لمدة 45 عامًا بسبب تغريدات على منصة X.
وفي حالات الإفراج عن المعتقلين، فإن ذلك لا يعني نهاية المعاناة، إذ يتعرض المفرج عنهم للعديد من الانتهاكات، مثل المنع من السفر، والمراقبة الأمنية، والفصل من الوظائف، وغيرها من الانتهاكات التي تؤدي إلى عزل معتقلي الرأي عن الحياة العامة.
الانتهاكات داخل السجون
تعتقل السلطات السعودية المئات من المواطنين والمقيمين على أراضيها – لا توجد إحصائية دقيقة نظرًا لغياب الشفافية الحكومية – دون محاكمات عادلة، وغالبًا ما يتعرضون لتعذيب نفسي وجسدي في السجون، بالإضافة إلى ظروف اعتقال قاسية وغير إنسانية، حيث يتم حبس الأشخاص في زنازين ضيقة وغير صحية، ويمنعون من الوصول إلى الرعاية الطبية أو الاتصال بعائلاتهم، و في كثير من الحالات، تُستخدم أساليب التعذيب لانتزاع اعترافات قسرية تُستخدم لاحقًا لإدانتهم في محاكمات تفتقر إلى أدنى معايير العدالة.
الغسيل الرياضي
تسعى المملكة العربية السعودية إلى استخدام استضافة الأحداث الرياضية الكبرى وشراء اللاعبين والأندية الرياضية كوسيلة لتبييض صورتها على الصعيد الدولي، فيما يُعرف بالغسيل الرياضي، من خلال تنظيم بطولات دولية كبرى مثل كأس العالم، تحاول السعودية صرف الأنظار عن سجلها الحقوقي السيء وتعزيز شرعيتها على الساحة الدولية، هذا الأسلوب لا يجب أن يُقبل أو يُشجع، لأنه يسمح للأنظمة القمعية بتحقيق مكاسب دعائية على حساب حقوق الإنسان.
حرية الصحافة
تؤكد الفيفا أن ضمن المعايير التي يجب على الدول المستضيفة لكأس العالم الالتزام بها هي حرية الصحافة، وهو الأمر الذي يغيب في السعودية، بحسب مؤشر حرية الصحافة الذي تصدره منظمة “مراسلون بلا حدود“، تتذيل السعودية دول العالم، إذ تحتل المركز 166 من بين 180 دولة شملها التقييم خلال عام 2024، و كانت السعودية قد حلت في المرتبة 170 في عام 2023 وفي المرتبة 166 في عام 2022، ولا يزال العديد من الصحفيين قابعين في السجون السعودية منذ سنواتٍ طويلة، مثل أسامة سهلي، ومالك الأحمد، ومحمد الصادق، وسامي الثبيتي، ووجدي الغزاوي، وغيرهم الكثير.
دور المجتمع الدولي
إن قبول استضافة السعودية لكأس العالم 2034 دون النظر في سجلها الحقوقي يعكس تقاعسًا من قبل الفيفا والمجتمع الدولي، الذي يتحمل مسؤولية أخلاقية في ضمان أن تكون حقوق الإنسان وحرياتها الأساسية جزءًا لا يتجزأ من معايير استضافة الأحداث الرياضية الكبرى، يجب أن يكون هناك ضغط مستمر من الدول، والمنظمات الدولية، وجمعيات حقوق الإنسان لضمان أن تتحمل السعودية مسؤولياتها الدولية وتوقف انتهاكاتها لحقوق الإنسان.
العفو الدولية: السعودية لا تستوفي معايير حقوق الإنسان
أشارت منظمة العفو الدولية في بيان لها حول استضافة السعودية لكأس العالم إلى أن المملكة قد تقاعست عن الوفاء بمتطلبات الفيفا الخاصة بحقوق الإنسان في ملفها، وقالت العفو إن تحليل ملف الترشح الذي نُشر يظهر أن السعودية لا تزال تتقاعس عن الالتزام بإجراء إصلاحات جذرية في نظام العمل الاستغلالي، أو اتخاذ أي إجراء لتحسين حرية التعبير عن الرأي، أو وضع حد لقمع نشطاء حقوق الإنسان.
التوصيات
يجب أن يترافق استضافة السعودية لكأس العالم 2034 بضغط على السلطات السعودية لتحسين حقوق الإنسان بشكل حقيقي، من بينها:
- تشكيل لجنة دولية لمراقبة حقوق الإنسان في السعودية: على الفيفا والمجتمع الدولي إنشاء لجنة مستقلة لمراقبة والتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في السعودية قبل وخلال وبعد استضافة كأس العالم.
- المطالبة بتحسينات ملموسة في حقوق الإنسان: يجب أن تُطالب السعودية بإجراء إصلاحات حقيقية وملموسة في مجال حقوق الإنسان كشرط لاستضافتها لكأس العالم، بما في ذلك إطلاق سراح جميع معتقلي الرأي، ومنح البدون الجنسية، وضمان حرية التعبير والصحافة، وحقوق المرأة.
إن السماح للسعودية باستضافة كأس العالم 2034 دون معالجة هذه القضايا الحقوقية يعد انتكاسة لحقوق الإنسان، ومساهمة في الغسيل الرياضي، والانتهاكات التي يتعرض لها المواطنون والمقيمون على أراضي المملكة.