منظمة سند تكشف لأول مرة عن اعتقال رسام كاريكتير والحكم عليه بالسجن لمدة 23 عاماً بسبب رسوماته
في وثائق حصرية حصلت عليها منظمة سند الحقوقية، تكشف لأول مرة عن اعتقال السلطات السعودية للمعلم ورسام الكاريكاتير السعودي محمد بن أحمد بن عيد آل هزاع الغامدي في فبراير 2018، على خلفية عمله كرسام كاريكاتير في صحيفة لوسيل القطرية، رغم توقفه عن العمل فيها قبل فترة وجيزة من اعتقاله.
وأكدت مصادر خاصة لـ “سند” أن السلطات السعودية عينت مخبراً أمنياً لمراقبة آل هزاع، في الفترة التي سبقت اعتقاله، إذ بينما كان في رحلة جوية من الباحة إلى جدة لحضور زفاف أحد معارفه، جلس بجانبه أحد العناصر الأمنية بلباس مدني في رحلتي الذهاب والعودة، وبعد عودته إلى الباحة، وأثناء وجوده في مقهى مع أحد أصدقائه، داهمته قوات الأمن بقيادة نفس العنصر الأمني، حيث تم اعتقاله بطريقة عنيفة ومهينة، ولم تكتف السلطات بذلك، بل داهمت منزله حيث كانت زوجته الحامل متواجدة، وتم تفتيش المنزل دون مراعاة لحالتها الصحية الحساسة، كما تمت مصادرة جميع أجهزته ورسوماته، والعبث بمرسمه الخاص في المنزل، وقد تعرض أحد أطفاله عقب اقتحام المنزل إلى انهيار نفسي شديد، يجدر الإشارة إلى أن السلطات السعودية لم تقدم كالعادة أي مستندات قانونية لتفتيش المنزل.
وفي لائحة الدعوى التي حصلت عليها سند، وجه الادعاء العام لآل هزاع عدة تهم، منها التعاطف مع دولة قطر بصفتها دولة مناهضة ومخالفة لسياسة السعودية، وذلك عبر رسومات كاريكاتيرية ادعى الادعاء أنها بلغت 100 رسم، كما اتُهم آل الهزاع بتصريح على تويتر يفيد بأن قطر لا تستحق المقاطعة، كما شملت التهم تواصله مع جهات معادية للمملكة بناءً على مراسلات مع موظفين في صحيفة لوسيل، بالإضافة إلى متابعة حسابات معارضة للنظام السعودي على منصة X (تويتر سابقاً)، وأخرى تابعة لشخصيات عربية بارزة، وتأييد أفكار إرهابية عبر تغريدات قام بكتابتها، ووجه الادعاء له أيضاً تهمة الإساءة للحكومة السعودية من خلال رسوم كاريكاتير أيضاً.
وفي معرض دفاع آل هزاع عن نفسه أوضح أنه كان يعمل في صحيفة لوسيل قبل بدء المقاطعة ولم يستمر في العمل عقبها إلا فترة وجيزة، كما نفى أن الرسومات الـ100 التي قدمها الادعاء فيها أي إساءة إلى السعودية، وأكد أن معظمها يتعلق بالشأن الداخلي القطري، ولا علاقة لها بالسعودية ولا تسيء إليها، وهي مجمل ما رسمه خلال عمله مع الصحيفة وليس ما رسم بعد المقاطعة، وأشار إلى أن بعض الرسومات التي قدمت كأدلة ليست له، بل تم تلفيقها عليه.
وحول زعم الادعاء أن محمد آل هزاع صرّح بأن قطر لا تستحق المقاطعة، نفى أي تصريح له بخصوص ذلك، وأكد أنه لم يقر بهذه التهمة، ولا يوجد أي دليل مادي عليها، ولم يغرد حولها ولا يوجد برهان عليها في وقائع الدعوى، وفق ما أفاد آل هزاع، وهو ما يعني أن السلطات السعودية لفّقت هذه التهمة كما لفّقت بقية التهم، وتؤكد منظمة سند أنه حتى في حال ثبوت ذلك، فإن الأمر لا يشكل جريمة، بل يندرج ضمن حرية التعبير المكفولة قانونياً.
وفي سياق الدفاع، طالب آل هزاع بتقديم دليل على أن أي من رسوماته تسيء للحكومة السعودية، وهو ما عجز عنه الادعاء، وقدم آل هزاع رسالة من وزير العمل الراحل د. غازي القصيبي تشيد برسوماته الناقدة وتعتبرها انتقادات بناءة، ما ينفي تهمة الإساءة تماماً.
كما أشار إلى أن تواصله مع جهات قطرية كان مع مواطنين وليس مع أي جهة حكومية، وأن الأزمة كانت بين الحكومات وليس بين الشعوب، وأضاف أن هناك إشكالاً في منطوق الحكم الذي صدر بعد ذلك، إذ تم تصنيف قطر كدولة مناهضة، بينما لم تكن كذلك وقت حدوث التهم المزعومة، ولا حتى وقت صدور الحكم، الذي جاء بعد اعتماد سفير لقطر وبعد عودة الأمور إلى مجاريها.
وقد طالب محمد آل هزاع الادعاء العام بإيراد نص قانوني يجرّم متابعة الحسابات على تويتر، التي أدرجها الادعاء ضمن الأدلة على إساءته للحكومة السعودية، وهو ما لم يستطع الادعاء إثباته.
وبالرغم من منطقية دفاع آل هزاع أمام المحكمة الجزائية المتخصصة، تم تجاهل دفاعه، بما في ذلك تلفيق تهم بناء على تغريدات وهمية نُسبت إليه دون وجودها فعلياً في حسابه، متجاهلة بذلك شروط المحاكمة العادلة واستقلالية القضاء.
لم يكتفِ القضاء السعودي بتجاهل دفاع آل هزاع عن نفسه، بل اعترف بأن الأدلة التي قدمها الادعاء العام لا ترقى لإثبات الإساءة لولاة الأمر، حسب تعبير القضاء، ومع ذلك، صدر الحكم بإدانته بتهمة الإساءة لولاة الأمر، في تناقض صريح ومهزلة مهينة.
ووفقاً لمعلومات موثقة حصلنا عليها، فإن سند تعتقد أن محمد آل هزاع قد تعرض للتعذيب والإكراه على توقيع اعترافات تحت التعذيب، في انتهاك صارخ لحقوق الإنسان.
وفي السجن، تعرض للعديد من الانتهاكات الجسيمة، منها إجباره على الاعتراف بالتهم المزعومة، و إخفاؤه قسرياً لعدة أشهر، وقطع تواصله مع عائلته بالكامل عقب اعتقاله، والتضييق عليهم في الزيارات بعد صدور الحكم، وانقطاع تواصله فترات متلاحقة، كما يتعرض بشكل مستمر لمعاملة مهينة.
يجدر بالذكر أن آل هزاع يعاني منذ اعتقاله من مرض السكري ومشاكل في الأعصاب والظهر وغيرها من المشاكل الصحية، فقد شهدت حالته الصحية تدهوراً كبيراً بسبب الإهمال الطبي المتعمد، رغم حاجته الماسة للعلاج، أدى هذا الإهمال إلى تدهور حاد في صحته استدعى نقله إلى المستشفى، وتنويمه عدة أيام، ومع أن حياته في خطر، لا يزال الإهمال الطبي مستمراً.
وبالرغم من أن جميع التهم الموجهة لـ محمد آل هزاع تدخل في إطار حرية التعبير المكفولة قانونياً، إضافة إلى هزلية المحاكمات، وتلفيق الأدلة، إلا أن المحكمة الجزائية المتخصصة حكمت عليه بالسجن لمدة 6 سنوات ومنعه من السفر مدة مماثلة، ومع ذلك، أعيد فتح القضية وأصدر حكم طويل الأمد ضده بالسجن لمدة 23 عاماً غير قابلة للاستئناف، وهو يقضي حالياً محكوميته في سجن ذهبان في جدة.