تهجير الحويطات.. أحلام الأمير كوابيس للمواطنين ونيوم تقوم على الدماء
“نيوم“.. اسم المدينة الحضارية التي تُعد –وفقاً للخطط والدراسات– أكبر مشروع حضاري في الشرق الأوسط، وأكبر حلم لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ضمن رؤيته الإصلاحية “رؤية 2030″، والتي يسعى لأن تكون مدينة فريدة ووجهة سياحية ضخمة، ووضع لها ميزانية بقيمة 500 مليار دولار.
مؤخراً، ارتبط اسم المدينة بالدماء، لتتحول أحلام الأمير الوردية إلى كوابيس تهدد قبيلة بأكملها تسكن في النطاق المحدد لبناء المدينة الضخمة، وذلك بعد مقتل “عبد الرحيم الحويطي” –أحد أفراد قبيلة الحويطات– في منطقة الخريبة في أبريل ٢٠٢٠ على يد الشرطة السعودية أثناء رفضه تنفيذ قرار مغادرة المنزل لإفساح المجال لتنفيذ “رؤية الأمير“. لتهجير السكان والاستيلاء على أرضهم وهدم منازلهم لبناء “نيوم” على أنقاضها.
كيف بدأت الأزمة
بدأت الأزمة عام 2017، حين التقى عدد من أبناء قبيلة الحويطات، الأمير “فهد بن سلطان” –أمير منطقة تبوك” وناشدوه ضمان حق الإقامة لهم في ديارهم وعدم تهجيرهم وهدم منازلهم ، لكنه أبلغهم أنه لا يستطيع مساعدتهم في الدفاع عن أراضيهم.
وقبيلة الحويطات (ولها أمتداد في السعودية ومصر والأردن)، والتي تعيش في منطقة الخريبة التابعة لمنطقة تبوك ، كانوا أول المتضررين من قرارات الإخلاء، حيث شملت المرحلة الأولى مناطق (قيال، العصيلة، شرما، الخريبة) جنوباً، بينما تضم المرحلة الثانية مناطق (البدع، مقنا، المويلح) شمالاً، ويسكن هذه المناطق حوالي 30 ألف شخصاً بحسب التقديرات الرسمية.
في أواخر ٢٠١٩، قادت القبيلة حملة ضد المشروع بدأت حين قام نشطاء بإطلاق حملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ للتعبير عن رفضهم مغادرة أراضيهم تحت وسم “الحويطات ضد ترحيل نيوم“.
اشتعلت الأمور في يناير 2020، بعد أن أعلنت إدارة المشروع عن البدء في عمليات التهجير التي ستتم على مرحلتين، في سبيل استكمال عمليات البناء في مدينة “نيوم“، وتوجه عدد من أبناء القبيلة للشيخ عليان الزمهري الحويطي، وهو أحد شيوخ قبيلة الحويطات، حاملين رسالة تفيد برفضهم للقرارات التي تجبرهم على إخلاء منازلهم، وطالبوا برفعها لولي العهد، ولكن الشيخ الزمهري لم يتجاوب معهم.
استبداد وقتل وتهديد
لم تتعامل السلطات السعودية بحكمة مع أبناء الحويطات، وعلى الرغم من تزايد الأصوات المعارضة لعملية الإجلاء ومصادرة آراضهم وهدم منازلهم، أصرت الحكومة على المضي قدماً في تنفيذ المشروع، وأرسلت قوات أمنية مدعومة بمعدات عسكرية ضخمة لإجبار السكان على ترك منازلهم، لتشتعل الأمور في 13 أبريل ٢٠٢٠ بعد أن قتلت القوات الأمنية المواطن عبد الرحيم الحويطي داخل منزله حين رفض تنفيذ القرار بالإخلاء.
قبل مقتله بأيام، أشعل عبد الرحيم الحويطي مواقع التواصل الاجتماعي بمقاطع مصورة له وهو يتحدث عن رفضه ورفض أبناء قبيلته قرارات التهجير التي وصفها بالقسرية، موضحاً أن السبب وراء رفضهم يعود أن هذه أرضهم وأملاكهم الخاصة ولارتباطهم بالمكان الذي لا يعرفون وطن سواه، كما أن تهجير هذا العدد الضخم يعني تفكيك روابط مجتمع بأسره، تعود جذوره التاريخية إلى تلك الأرض التي يطالبوا بمغادرتها وللأبد.
بالإضافة إلى ذلك، أوضح عبد الرحيم الحويطي، وغيره من سكان القبيلة، أن الحكومة لم تكن دقيقة في مسألة التعويضات المادية التي ستعطيها للسكان في مقابل المغادرة، ولم تحدد بصورة واضحة التقدير الفعلي لقيمة المنازل، حيث تركت القيمة مجهولة كما كانت غير واضحة في طريقة التعامل مع المالكين في مرحلة ما قبل التهجير.
مقتل عبد الرحيم الحويطي جاء ليؤكد استبدادية النظام السعودي في تعامله مع كل شيء، وسعيه لتحقيق كل ما يريد مهما كلف الأمر، حتى لو كان المقابل أرواح أبرياء من أبناء الوطن، التي من المفترض أن “رؤية 2030″ تأتي في الأساس لتخدم هؤلاء المواطنين وتنهض بهم وبمستوى معيشتهم، لا أن تُقام على دمائهم وأنقاض مساكنهم.
الممارسات القمعية للنظام لم تتوقف عند قتل عبد الرحيم الحويطي ، بل تبع عملية قتله اعتقال عشرات من أبناء عمومته للضغط عليهم لعدم استغلال الحادث وإثارة الرأي العام ضد المشروع ، كما تلقت الناشطة علياء الحويطي، وهي أحد أفراد قبيلة الحويطات وتقيم في المملكة المتحدة، تهديدات مباشرة بالقتل بعد أن نشرت عدة تغريدات على حسابها الرسمي بموقع “تويتر” تهاجم ما فعله النظام مع عبد الرحيم، وتنتقد عمليات التهجير القسري التي يتعرض لها أبناء قبيلتها لبناء “نيوم“.
وفيما يلي بيان – بمن وردنا– من اسماء ابناء الحويطات المعتقلين:
- السيدة حليمة أحمد الحويطي
- أحمدعبدالناصرالحويطي
- أرشد راهي الحويطي
- سامي هليل الحويطي
- سليمان محمد الحويطي
- عبد الإله رشيد الحويطي
- عبدالله أبراهيم الحويطي
- عبدالله دخيل الله أبو طقيقة الحويطي
- شادي دخيل الله أبو طقيقة الحويطي
- عون عبدالله الحويطي
- صالح سليم الرقابي
- ضيف الله سلامة الحويطي
- هادي سالم عفنان
- محمد سالم الحويطي
- محمد صقر الحويطي
- عبدالله صالح هايس
- عبدالله مرزوق القرعاني
- أحمد طالب الحويطي
إطار قانوني
إن ما يتعرض له أبناء قبيلة الحويطات هو انتهاك صريح للقوانين الدولية، حيث يُعتبر ما يتعرض له “تهجير قسري” وفقاً للقانون الدولي، الذي يُعرف بأنه “ممارسة تنفذها حكومات أو قوى شبه عسكرية أو مجموعات متعصبة تجاه مجموعات عرقية أو دينية أو مذهبية بهدف إخلاء أراضٍ معينة وإحلال مجاميع سكانية أخرى بدلا عنها“، ويكون التهجير القسري إما مباشرا أي ترحيل السكان من مناطقهم السكنية بالقوة، أو غير مباشر، عن طريق دفع الناس إلى الرحيل والهجرة، باستخدام وسائل الضغط والترهيب والاضطهاد.
كما تعتبر المواد (2)، (7)، (8) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، التهجير القسري جريمة حرب، حيث نصت على أن “إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان، متى ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين يشكل جريمة ضد الإنسانية“.
كما أن المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 حظرت النقل القسري الجماعي أو الفردي للأشخاص، أو نفيهم من مناطق سكناهم إلى أراض أخرى.
على المجتمع الدولي التدخل والضغط على السلطات السعودية لاحترام القوانين والمعاهدات التي صادقت عليها مسبقاً والالتزام بما جاء بها. وعلى الشركات والمستثمرين المشاركين في مشروع “نيوم” التوقف عن التعاون مع إدارة المشروع حتى تضمن السلطات السعودية تعويض المتضررين من قبيلة الحويطات وغيرهم مادياً وقانونياً، ومحاسبة المسؤولين عن مقتل المواطن عبد الرحيم الحويطي وإحالتهم إلى محاكمات حيادية وشفافة. وإطلاق سراح جميع المعتقلين بسبب رفضهم لهذا القمع
ولقد كان ملفتا للنظر ثناء وزير خارجية بريطانيا على مشروع نيوم الذي سيقوم على بقايا منازل المهجرين قسريا من أراضيهم وعلى دماء سالت للدفاع عن حقوقها المسلوبة، ناهيك عن المعتقلين ظلما وجورا لأنهم رفضوا هذا الأسلوب القمعي الذي تنتهجه الحكومة السعودية ضد المواطنين. ولا يُعرف هل تأييد وزير خارجية بريطانيا لهذا المشروع هو تأييد لهذا القمع والانتهاك أم أنه لا يعلم عن حقائق الأمور ولا يعرف خباياها رغم انتشارها.