إصلاحيو جدة
قضية إصلاحيي جدة ملف حقوقي لم يغلق بعد
مقدمة
من بين العديد من الملفات الحقوقية الشائكة والمعقدة في السعودية، تظل قضية إصلاحيي جدة من أهم تلك القضايا والمآسي، حيث إنها عرفت بأنها أطول حكم بالسجن في التاريخ القضائي للسعودية (٢٢٨ سنة). ولهذا الرقم الهائل رمزيته بلا شك، فهذا الحكم القضائي، القياسي وغير المسبوق، من السجن والمنع من السفر لم يكن موجها ضد مجرمين جنائيين، أو مدانين بقضايا قتل أو خطف أو مخدرات أو تهديد للأمن، بل لمجموعة من الأكاديميين والمثقفين ممن رفعوا أصواتهم للمطالبة بالإصلاح السياسي والحريات بشكل معلن. لتقول السلطات السعودية بشكل واضح وصريح للمجتمع، ليس هناك أي ”جناية“ في السعودية أكبر من أن تطالب بالإصلاح. ويمكن أن يشمل ”العفو الملكي“ كل المحكومين والمدانين عدا أولئك الذين يسعون لضمان حرية التعبير وتحسين ظروف حقوق الإنسان! وبعد وفاة أحد أبرزهم (مقتولاً) في سجنه وهو د. موسى القرني، ومعاناة البقية بين حبس انفرادي وتعذيب، أو منع من السفر لمدد تتراوح بين ٥ و ٣٠ سنة! ولذلك، تُعيد ”سند“ طرح ملف القضية من جديد بعد ١٥ عاماً من فتحه.
خلفية
لم تبدأ قضية إصلاحيي جدة من ليلة القبض عليهم في ٢٠٠٧، بل لابد من فهم التراكمات والسياقات التي أدت لها. فمنذ نهاية التسعينات الميلادية و مرورا بأحداث الحادي عشر من سبتمبر، عاشت السعودية تطورات ملحوظة وخطوات مجتمعية في الاتجاه الحقوقي، حيث ارتفعت أصوات المطالبة بدولة الحقوق والمؤسسات في تلك الفترة. كما ظهرت عدة مبادرات ودعوات من عدد من الحقوقيين من تيارات مختلفة، أمثال د. عبد الله الحامد، والتي مات في سجنه ٢٠٢٠، بسبب الإهمال الطبي، حيث طالبوا بضرورة الإصلاح السياسي والدعوة للانتقال من دولة ”حكم الفرد“ إلى دولة الحقوق والحريات.
فبعد أحداث مفصلية كدخول الإنترنت في ١٩٩٩ للسعودية، وأحداث سبتمبر ثم حرب العراق، شهد الفضاء السعودي نقلة نوعية وانتعاشاً ملحوظا في الخطاب الحقوقي، كما انتشرت الديوانيات والمنتديات التي تناقش بشكل غير مسبوق قضية حقوق الإنسان والحريات. ولم يكن التوجه الحقوقي حصراً على تيار بعينه، بل ظهر من كل التيارات، سواء الإسلامية أو الليبرالية، من يدعو ويطالب بذلك. وكان من أبرزهم د. سعود مختار الهاشمي،والذي كانت لديه ديوانيه في جدة، ود. موسى القرني ديوانيته في المدينة وغيرهم الكثير. ولذلك يمكن أن يقال أنه قد تشكلت تيارات حقوقية أدت بطبيعة الحال إلى الرغبة بالتحول إلى عمل مؤسسي وإلى ظهور عدد من الجمعيات الحقوقية في تلك الفترة، وبطبيعة الحال، لم تكن الدولة سعيدة بذلك، بل واجهت الدولة جميع هذه التيارات بقبضة أمنية قاسية. وكان أحد ضحايا تلك القبضة من يسمون بإصلاحيي جدة. ولذلك، لا يمكن ربط النشاط الحقوق والدعوة إلى الحريات في المملكة بالربيع العربي في ٢٠١١، حيث إن هذا النشاط كان قد سبق الربيع العربي بأكثر من عقد من الزمان، ولكن من المؤكد أن ما بعد الربيع العربي ليس كما قبله.
تاريخ وأحداث القضية
وكما ذكرنا سابقاً، كانت مجموعة إصلاحيي جدة أحد المجموعات الحقوقية التي نشطت في تلك الفترة. وفي الحقيقة أنها تسمى بـ“إصلاحيي جدة“ نظرا لارتباطها بالمكان الذي تم القبض عليهم لاحقاً فيه، ولكنهم كانوا مجموعة من مناطق مختلفة من المملكة.
وهم مجموعة منوعة من الأكاديميين والمثقفين المهتمين بالعمل الحقوقي والإصلاح السياسي. وقد عقدوا عدداً من الاجتماعات كان آخرها بدعوة من د. سعود الهاشمي وفي ضيافة عصام بصرواي في استراحته في جدة، لذلك أطلق الإعلام السعودي الموجه عليهم لقب ”خلية الاستراحة“ إمعاناً في تشويه صورتهم واحتقارهم. وكان هدف تلك المجموعة تنظيم العمل الإصلاحي، والتعاون لإنشاء جمعية حقوقية مستقلة لحقوق الآنسان بالسعودية، وكتابة وثيقة بيان يطالب بالإصلاح السياسي، ترفع للملك مباشرة. ومن المهم الإشارة إلى أن عمل المجموعة لم يكن سريًا يوما ما، بل كانت آراؤهم مطروحة علنا في ديوانياتهم المفتوحة، حيث يوجد العديد من الفيديوهات والمقاطع لبعض رمز تلك المجموعة وهم يعلنون أفكارهم صريحة واضحة بدون تدليس أو إخفاء، بل وسمحوا أن يحضر معهم بعض رجال المباحث، وكانت هذه اللقاءات بينهم لتنظيم العمل وتبادل الخبرات والأفكار.
وزيادة على ذلك، فقد كان للعديد منهم خطوات بارزة للتواصل المباشر من الدولة وشخصياتها، ففي عام 2006 اجتمع بالأمير نايف بعض الناشطين مثل القرني والهاشمي والرشودي وغيرهم وعرضوا طلباً لوقفة رسمية لمناصرة غزة ولبنان، وحينها طلب الأمير السعودي منهم التوقف عن نشاطاتهم على الفور، وعدم رفع أي خطاب للملك، والتوقف عن استقبال الناس في الديوانيات والمنتديات، والتوقف عن استضافة رموز إسلامية مثل الغنوشي وإسماعيل هنية وخالد مشعل. بل تم تكريم عدد من رموز تلك المجموعة في مناسبات عدة لقاء خدماتهم الجليلة للوطن. فنحن هنا نتحدث عن نخبة المجتمع وليس عن مجموعة مجهولة تتحرك في الظلام.
وفي ٢ فبراير ٢٠٠٧، اجتمع تسعة أعضاء من تلك المجموعة، وقد كان ذلك الاجتماع الثالث لهم في استراحة د. بصراوي. وفجأة داهمت القوات الخاصة المكان بشكل جنوني وغير مبرر، كما أنهم ألقوا القنابل الصوتية لمزيد من التخويف وتشويه المشهد، كما اقتحموه بأعداد كبيرة من الجنود، ثم تم تكبيل الموجودين بطريقة مهينة، كما تم تفتيش الاستراحة ومصادرة جميع الموجودات ومن ثم اعتقال جميع التسعة، إضافة إلى حارس المكان من جنسية عربية. وما زال السؤال يطرح مرة أخرى، لماذا هذا الزخم والعرض المسرحي الأمني على مجموعة عزلاء تعمل بالعلن؟ وكان يكفي مجرد خطاب استدعاء من الشرطة لهم ليأتوا بأنفسهم، ولكنه الجنون الأمني في مواجهة دعوات الحقوق والإصلاح في المملكة.
أعضاء المجموعة
د. سعود مختار الهاشمي ٥٨ سنة. وهو ناشط حقوقي بارز وأستاذ جامعي في الطب، كما اشتهر بكونه ناشطا في المجال الاجتماعي، وقد كانت له حملات إغاثية بشكل رسمي وبالتعاون مع الجهات الحكومية لفلسطين والعراق. ما زال في السجن، يقضي أعلى حكم بالسجن من بين المجموعة بـ٣٠ عاما، وبعدها ٣٠ عاماً منع سفر.
د. موسى القرني ٦٧ سنة عند وفاته في السجن في ٢٠٢١، كان أستاذاً جامعيا في أصول الفقه، و أحيل للتقاعد بشكل قسري، انتقل للعمل بالمحاماة، وكان صاحب نشاط حقوقي وإصلاحي بارز. قُتل الدكتور موسى القرني بعلم إدارة سجن ذهبان بتاريخ ١٢ اكتوبر ٢٠٢١. وكان محكوما عليه بـ٢٠ سنة سجن ومثلها منع من السفر وغرامة مالية قدرها مليون ريال من قبل القاضي صالح العجيري.
الشيخ سليمان الرشودي ٨٤ سنة، وهو قاض سابق ومحام، يعد من أقدم الإصلاحيين والحقوقيين في المملكة ومن دعاة الدستور، وله مطالبات وأنشطة حقوقية متعددة، كان رئيس جمعية حسم. أفرج عنه في ٢٠١٧ مؤقتاً بشكل مشروط وهو ممنوع من السفر حالياً. محكوم بـ١٥ سنة سجن و مثلها منع من السفر.
د. عصام البصراوي ٧١ سنة، محام بارز وناشط حقوقي اجتماعي، كما أن له عدد من البيانات التي تطالب بإحترام المواثيق الحقوقية الدولية. مفرج عنه حالياً مؤقتاً وبشكل مشروط، وممنوع من السفر. حكم عليه بـ١٠ سنين سجن ومثلها منع من السفر.
د. عبد الرحمن الشميري ٦٩ سنة، وهو أستاذ جامعي في التربية الإسلامية، رشح لمجلس الشورى كما قد شارك في عدد من الخطابات الإصلاحية والمطالبة بالدستور. أفرج عنه في ٢٠٢١ وذلك بعد ١٤ سنة قضاها في السجن، مع أن حكمه القضائي كان ١٠ سنين. وهو حاليا ممنوع من السفر لعشر سنين أخرى.
سيف الدين الشريف ٦٩ سنة، وهو آحد الناشطين الحقوقيين الاجتماعيين. أفرج عنه مؤقتاً بشكل مشروط، وهو ممنوع من السفر. حكم عليه بـ١٠ سنين سجن ومثلها منع من السفر.
عبد الرحمن بن صديق ٧٣ سنة، وهو باحث تربوي، عرف بعلمه الشرعي وهو أحد دعاة الإصلاح والدستور. أفرج عنه في ٢٠١٧ مؤقتاً بشكل مشروط، وهو ممنوع من السفر. حكم بـ٢٠ سنة سجن ومثلها منع من السفر.
د. عبد العزيز الخريجي ٧١ سنة . طبيب ورجل أعمال وناشط حقوقي، عرف بنشاطه الخيري. حكم ب٢٢ سنة سجن و٢٠ سنة منع من السفر، وقد أفرج عنه مؤقتاً بشكل مشروط.
فهد الصخري القرشي ٣٧ سنة، من دعاة الدستور والمجتمع المدني. وممنوع من السفر. حكم عليه بـ١٠ سنين سجن ومثلها منع من السفر.
هؤلاء هم التسعة شخصيات التي اعتقلت في البداية، ثم أضيف إليهم سبعة أشخاص تم اعتقالهم على خلفية علاقتهم واتصالهم ببعض إصلاحيي جدة، وهم:
وليد العمري، حكم عليه بـ ٢٥ سنة سجن ومثلها منع من السفر.
عبد الله الرفاعي، سوري الجنسية، لاتوجد معلومات عن الإفراج عنه، وقد نشر مقطع صوتي له يشتكي التعذيب الشديد في السجن وأنه تعرض للتحرش والتهديد بالاغتصاب، حكم عليه بـ١٥ سنة سجن ومن ثم ترحيل إلى بلده.
معتصم مختار، حكم عليه بـ١٠ سنين سجن و مثلها منع من السفر.
علي القرني.
ردة المجايشي وخالد العباسي، محكومان بـ٨ سنين سجن ومثلها منع من السفر.
صالح الراشدي، يمني الجنسية، حكم بـ٥ سنوات سجن ومن ثم ترحيل إلى بلده.
المحاكمة وصدور الحكم
لم تبدأ إجراءات محاكمة إصلاحيي جدة إلا في ٢٠١٠، بعد قرابة ثلاث سنوات منذ اعتقالهم في ٢٠٠٧، ووقتها كانوا يتنقلون بين الحبس الانفرادي أو الجماعي حسب مزاج السجان. ولم يكن سوى التحقيقات التي استمرت مدة طويلة جداً، بهدف التضييق عليهم وإمعاناً في انتهاك حقوقهم. نُقل سبعة من الإصلاحيين بعد مرور سنة من سجنهم إلى سجن خاص، مع الإبقاء على سعود الهاشمي وموسى القرني في سجن انفرادي، كما لم يلتق المتهمون بأهاليهم إلا بعد مرور ستة أشهر من تاريخ القبض, والبعض لم يلتق بأهله إلا بعد مرور عشرة أشهر مثل سعود الهاشمي.
وقد استغرقت التحقيقات ٣ أعوام ونصف دون إصدار أحكام أو تهم عليهم، الأمر الذي أثار احتجاج الجمعيات الحقوقية على المستوى العربي والعالمي، كما أن هذا مخالف للمادة 114 من نظام الإجراءات الجزائية للمملكة العربية السعودية. وفي ٢٠١٠ ابتدأت المحاكمات وامتدت لعام كامل في جلسات تجاوزت ٤٠ جلسة كانت حافلة بالكثير من الأحداث. وكان الإصلاحيون يُقتادون للمحاكمة معصوبي الأعين ومقيدي القدمين واليدين في بعض الجلسات، وهذا مخالف بشكل صريح وواضح للقوانين التشريعية العالمية ومخالفا للأنظمة التي وضعتها الدولة. ثم بمبادرة من المحامي الدكتور باسم عالم الذي طالب بالإفراج عن المتهمين، فرفع القاضي هذا الطلب إلى الداخلية السعودية التي وافقت على طلب الإفراج لحين صدور الحكم، ليُفرج عن عدد منهم باستثناء الهاشمي والقرني وأربعة آخرون، حيث تقرر الإبقاء عليهم في السجن دون سبب.
وفي نوفمبر ٢٠١١، جاء يوم النطق بالحكم على أفراد المجموعة، وقد منع كثير من أهالي المعتقلين ووكلائهم القانونيين من شهود الجلسة. كما تمت المماطلة بالجلسة وتأخيرها لعدة ساعات. وعندما نُطِق بالحكم كانت صدمة على الجميع، المتهمين وعائلاتهم وحتى منظمات حقوق الإنسان حول العالم، حيث تراوحت الأحكام ما بين خمس سنوات وحتى ثلاثين سنة للسجن، مع منع للسفر بنفس المحكوميات. وقد عبرت كثير من جمعيات حقوق الإنسان حول العالم من صدمتها وقلقها على مصير المتهمين، ورفضها لإجراءات المحاكمة ولأي حكم صادر عنها. كان أبرزها منظمة العفو الدولية التي علقت (بأن هذه الأحكام تُعد مثيرة للقلق)، وكذلك منظمة هيومن رايتس ووتش وغيرها من المنظمات والجمعيات التي عبرت عن استنكارها لهذه الأحكام.
وفي مطلع ٢٠١٢ أُفرج عن عدد من الإصلاحيين بكفالة، وبعضهم بما يسمى “العفو الملكي“، مقابل أن يكتبوا شكراً للملك على الإفراج، وتعهداً بعدم مزاولة أي نشاط حقوقي أو إصلاحي، وإلا فإنهم سيعادون لإكمال المدة المتبقية من الحكم، حيث إنه يعد معلقًا وليس ملغياً. وقد قبل بعض الإصلاحيين بهذا الأمر نظرا للمصالح الشخصية المترتبة عليه، في حين رأى عدد منهم أن هذا يعد إذلالاً وإرغاماً على الاعتراف بجناية لم يرتكبها، وتنازلاً عن حق مشروع. وقد بقي في السجن ستة هم د. سعود الهاشمي، والذي أسمته السلطات زعيم التنظيم، ود. موسى القرني، وعبدالرحمن الشميري وعبد الرحمن صديق، اللذان أفرج عنهما لاحقاً، وعبدالله الرفاعي الذي لا توجد عنه معلومات حتى هذه اللحظة، وسليمان الرشودي الذي أفرج عنه ثم ألقي القبض عليه في نهاية العام بسبب محاضرة عن شرعية المظاهرات، وقد أفرج عنه لاحقاً بكفالة.
ولم يزل عدد من إصلاحيي جدة في السجن حتى لحظات كتابة هذه الأسطر بعد ١٥ عاما من بداية القضية. بل إن منهم من فقد حياته بسبب الإهمال الطبي المتعمد أو القتل الممنهج التي تتخذه السلطات السعودية وسيلة للقضاء على دعاة الإصلاح. كما يعاني د. سعود الهاشمي حتى الآن من إهمال طبي وحبس انفرادي ومنع من الزيارات. ويمكن الرجوع إلى تقريرنا المفصل عنه هنا.
مقتل الشيخ موسى القرني
تعرض الدكتور موسى القرني هو وزملاؤه من إصلاحيي جدة لأنواع من التعذيب الممنهج والانتهاكات الفظيعة. فقد حُبِس الدكتور القرني انفراديا، وتعرض لأنواع التعذيب وتعمد الإهانة والايذاء والإذلال، ومنعت عنه زيارة أهله وأقاربه أو التواصل معهم، حتى أصيب بنكسة نفسية، فأُعطي على إثرها أدوية نفسية زادت من سوء حالته حتى فقد عقله، فأخذوه لمستشفى الامراض النفسية وبقي فيه فترة، ثم قرروا إخراجه بعد تحسن حالته.
حُبس بعدها في سجن ذهبان في جدة في عنبر مجموعة متطرفة عنيفة متشددة، وكانوا دائما يعتدون عليه جسديا ويضربوه ضربا مبرحا تحت نظر كاميرات المراقبة في هذا العنبر، ثم ينقل للعلاج في المستشفى وبعد ذلك يعيدونه لنفس المجموعة المتشددة، وقد طُلِب من مدير السجن، عادل الصبحي، مرات كثيرة أن يُنقل الشيخ موسى القرني ولو للسجن الانفرادي أو سجن كبار السن، حيث إن عمره قد جاوز السبعين، فلم يقبل مدير السجن ذلك، بل حرّض السجناء على ضربه، فضربوه مرة أخرى، فحُمل للمستشفى مغمى عليه، ثم أُعيد إليهم عمداً. وعلى مدار عامين وهو يتعرض للضرب والأذى من المتشددين بعلم وتحريض عادل الصبحي، وتحت مراقبته عبر الكاميرات.
وآخر الأمر، ضربوه على وجهه ورأسه حتى فارق الحياة. وقد كتب الطبيب الشرعي بعد معاينة الجثمان أن سبب الموت هو الضرب على الرأس والوجه. وقد صدر أمر بتشريح الجثة، إمعاناً في الإيذاء له، رحمه الله. بالفعل، فقد شُقّ بطنه وصدره، ثم نقل للمدينة ولم يسمح لأهله معاينة جثمانه وقت الصلاة عليه. ودُفن هناك دون أن يراه أحد. ولولا تسرب تقرير الطب الشرعي عن سبب الوفاة، ما علم أحد أن الشيخ مات مقتولاً بطريقة مدبرة وبشعة بسبب مجموعة من المجرمين المتشددين داخل السجن.
خاتمة
إن قضية إصلاحيي جدة يجب أن تبقى حيّة في ذاكرة كل مهتم بحماية حقوق الإنسان، سواء في السعودية أو غيرها. فهؤلاء الأبطال لم يقوموا بذلك للحصول على شهرة أو مال أو منصب، بل إنهم دفعوا زهرة أعمارهم وصحتهم بل وحياتهم كاملة، كما في حالة موسى القرني وعبد الله الحامد، ثمنا لذلك. وقد كانوا يستطيعون مجاملة السلطات أو حتى السكوت لينعموا بحياة ضمن السجن الكبير كبقية الشعب، ولكنهم آثروا أن يكونوا وقوداً لمركبة الإصلاح المتعثرة في البلاد ويمهدوا الطريق أمام بقية المصلحين من أبناء الشعب. إن قضية إصلاحيي جدة وإن مر عليها ١٥ عاما، أو أُفرج عن أغلب أعضائها -مع بقاء الأحكام معلقة- فإنها يجب أن تبقى حية لأنها رمز لصراع الحقوق والحريات في المملكة. وحتى كتابة هذه الأحرف، فإن د. سعود الهاشمي ما زال يعاني من ظلمة الانفرادي، وبقية الأعضاء ممنوعون من السفر والحديث، في انتهاك صارخ لحقوق أساسية من حقوق الإنسان.
إن المنظمات الحقوقية مطالبة بالتركيز والتذكير بهذه القضية ومثيلاتها، حيث إن كثرة الانتهاكات الحقوقية في السعودية صار يُنسي بعضها بعضاً، وما زال إصلاحيو جدة المطلق سراحهم يعانون من أحكام السجن المعلقة كسيف مسلط عليهم، إضافة إلى أحكام المنع من السفر التي لا يتم رفعها حتى بعد انتهاء محكومياتهم. وأخيراً فإن من الوفاء لهؤلاء الأبطال الذين دفعوا حياتهم وحرياتهم ثمناً لكلمة كانوا يستطيعون كتمانها، ومن الواجب الوقوف مع قضيتهم إلى أن يتم إكمال مسيرتهم، وحمل أهدافهم للمضي بها إلى الأمام ولتحقيق مستقبل حر كانوا جميعا يسعون لتحقيقه.