
زيارة ولي العهد السعودي لواشنطن: هل نجحت محاولات تبييض سجله الحقوقي؟
في 18 نوفمبر 2025، وصل وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان إلى واشنطن في أول زيارة رسمية له إلى الولايات المتحدة منذ اغتيال الصحفي جمال خاشقجي عام 2018 داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، وتأتي الزيارة وسط محاولات مستمرة من وليّ العهد لتخفيف آثار الجريمة وإعادة ترميم صورته على الساحة الدولية.
وخلال مؤتمرٍ صحفي جمعه بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، وُجّه سؤال مباشر إلى وليّ العهد بشأن قضية خاشقجي، إلا أن ترامب سارع للدفاع عنه، مدّعيًا أنه لم يكن على علم بمقتل خاشقجي، غير أن هذا الموقف يتناقض مع التقرير الاستخباراتي الأميركي الصادر عام 2021، والذي خلص إلى أنّ محمد بن سلمان هو من صادق على عملية الاغتيال، إضافة إلى أنّ طبيعة النظام السعودي تجعل تنفيذ عملية من هذا النوع أمرًا مستحيلًا دون علمه وهو الذي يملك السيطرة الكاملة على السلطات كافة.
وفي معرض ردّه على السؤال، قال وليّ العهد إنه اتخذ إجراءات لمنع تكرار حادثة اغتيال خاشقجي، لكنّ ذلك مجرّد محاولة هروبٍ وتبرير متناقض مع مايحدث حاليًا في السعودية، إذ إن السعودية تحت قيادته لم تتوقف يومًا عن الانتهاكات الحقوقية والقتل بحق المواطنين والمعبّرين عن آرائهم، حيث بلغت الإعدامات مستويات قياسية، من بينها مئات الإعدامات السياسية، بما في ذلك إعدام الصحفي تركي الجاسر في يونيو الفائت، وإعدام ظافر الشهري العام الماضي على خلفية تغريدة.
وبرغم الجهود المبذولة لإعادة دمج محمد بن سلمان في المشهد السياسي الأميركي، قوبلت زيارته برفض واسع وانتقادات علنية من عدد من أعضاء الكونغرس، ويسلّط هذا التقرير الضوء على أبرز تلك المواقف.
أولاً: رفض محاولات التطبيع وتلميع السجل الحقوقي المُلطَّخ بالانتهاكات لوليّ العهد السعودي
عبّر عددٌ من أعضاء الكونغرس الأميركي عن معارضتهم لأيّ تطبيع سياسي مع وليّ العهد السعودي، محذّرين من خطورة تلميع الانتهاكات الحقوقية الجسيمة التي ارتُكبت خلال فترة حكمه، واعتبرت النائبة سامر لي أنّ استقبال محمد بن سلمان يُعدّ تجاهلًا للفساد والانتهاكات و“لقتل صحفي أميركي“، مؤكّدة أنّ إدماج منتهكي حقوق الإنسان في العلاقات الرسمية وبيعهم الأسلحة رغم سجلّهم في قمع الحريات يشكّل سابقة خطيرة.
وفي السياق ذاته أشار السيناتور بيرني ساندرز إلى السجل الواسع من الجرائم التي ارتكبها ولي العهد، من التجويع الممنهج في اليمن إلى الإعدامات القياسية وقتل الصحفيين، معتبرًا أن الترحيب بمحمد بن سلمان رسالة دعم صريح للسلطوية حول العالم، كما انتقدت السيناتور إليزابيث وارن الاحتفاء الرسمي بولي العهد رغم أن المعلومات الاستخباراتية تشير إلى أنه أصدر أمرًا بقتل الصحفي جمال خاشقجي.
وقال إد ديفي في سياق انتقاده لزيارة ولي العهد أن الدفاع عن الصحفيين يجب أن يكون موقفًا ثابتًا أمام أي سلطة تقمعهم.
كما شدد النائب لويد دوغيت على أن الدفاع عن محمد بن سلمان يمثّل تبريرًا لعملية اغتيال خاشقجي، وندّد بمنح مسؤول متورّط في انتهاكات حقوقية صفقات عسكرية متطورة، معتبرًا أن ذلك يشكّل “مكافأة على الجريمة والانتهاكات“.
وأكّد النائب دان غولدمان أنّ تجاهل الاستخبارات الأميركية في قضية خاشقجي يعبّر عن خطر بيع السياسة الخارجية للمصالح المالية، مشددًا على أن جريمة قتل خاشقجي لا يمكن التعامل معها كأمر عابر أو تبريرها تحت ذريعة الاستثمار.
وأدان النائب بيل فوستر استقبال محمد بن سلمان رغم أن وكالة الاستخبارات المركزية خلصت سابقًا إلى تورّط محمد بن سلمان في جريمة قتل خاشقجي
وشدد النائب جيم ماكغفرن على أن خاشقجي كان صحفيًا صاحب رأي، وأن قتله وتقطيع جثته تم نتيجة مباشرة لاستخدام السلطة لإسكات الأصوات الناقدة، محذرًا من أي تعاطٍ سياسي يتجاهل هذه الحقائق.
وقال النائب راجا كريشنامورثي إن قتل خاشقجي جاء بسبب تعبيره عن الحقيقة، وإن استقبال من تشير تقارير الاستخبارات إلى تورطه في الجريمة هو “إهانة للصحافة الحرة“.
ثانياً: خطوات تشريعية لمحاسبة ولي العهد عن قتل جمال خاشقجي
لم تتوقف ردود أفعال الكونغرس الأمريكي على ادانة استقبال ولي العهد بل أعلن السيناتور تيم كين عن تقديم تشريع يلزم الحكومة الأميركية بمحاسبة السعودية على جريمة خاشقجي وانتهاكاتها الحقوقية الأخرى.
وكشف النائب يوجين فيندمان أنه اطّلع خلال عمله في مجلس الأمن القومي الأميركي على مكالمة بين الرئيس الأميركي ووليّ العهد عقب جريمة خاشقجي، وطالب الرئيس الأميركي في مؤتمر صحفي بنشر الاتصال لتمكين عائلة خاشقجي والرأي العام من معرفة مضمون المراسلات الرسمية المتعلقة بالجريمة.
ودعا السيناتور إد ماركي إلى محاسبة محمد بن سلمان، بما في ذلك اعتراف رسمي بالجريمة وتقديم اعتذار لأسرة خاشقجي، معتبرًا أن صفقات السلاح والاستقبالات الرسمية تتجاهل حقيقة القتل العمد الذي تعرّض له الصحفي.
منظمة سند تثمن موقف أعضاء الكونغرس الأمريكي
من جهتها، تثمن منظمة سند الحقوقية موقف أعضاء الكونغرس الرافض لمحاولات تلميع صورة ولي العهد محمد بن سلمان، وتعدّه خطوة مهمة في مواجهة خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يسعى لتجاوز سجل الانتهاكات الجسيمة، وتؤكد المنظمة أن أي تطبيع مع محمد بن سلمان يتجاهل عمدا مسؤوليته عن الجرائم التي تم ارتكابها بحق المنتقدين والمعارضين والمواطنين الأبرياء داخل السعودية وخارجها.
وتشدّد منظمة سند على أن مسؤولية الحكومة الأميركية والمجتمع الدولي لا تقف عند حدود البيانات والتصريحات، بل تقتضي تحركًا فعليًا لمحاسبة محمد بن سلمان على جريمة اغتيال جمال خاشقجي، وعلى مقتل الصحفي تركي الجاسر، وعلى إعدام المئات من المواطنين، إضافة إلى الاستمرار في الضغط حتى الإفراج عن جميع المعتقلين ووقف كافة الانتهاكات الحقوقية، وملاحقة كل المتورطين في السعودية على هذه الجرائم بلا استثناء.




