شعارات التطوع في السعودية لاخفاء حقيقة البطالة
انتشرت مؤخرا في الداخل السعودية حملات العمل التطوعي، وأصبحت الدعوة إلى التطوع أحد أبرز موضات الجهات الحكومية وغير الحكومية، الربحية وغير الربحية، مع دعم إعلامي كبير غير معتاد. يقود هذا التوجه الحكومة بنفسها، إلى الحد الذي أعلنت فيه وزارة الشؤون الاجتماعية إطلاق ”منصة العمل التطوعي“ في ٢٠٢٠ والتي تقول أنها ”ستسهم في تنظيم وتمكين العمل التطوعي من خلال ربط الجهات الموفرة للفرص التطوعية بالراغبين، كما تجدر الإشارة أن منصة العمل التطوعي مربوطة بشكل تام بمركز المعلومات الوطني! كما تظهر الساعات التطوعية وعدد مرات التطوع والجهات التي تم التطوع فيها في منصة أبشر كذلك! لذلك نتساءل في هذا التقرير عن حقيقة هذا التوجه الجديد، وما الجديد في هذه الحملات؟ وما الأهداف الحقيقية التي تسعى الحكومة إلى تحقيقها من خلال تسخير كل الوسائل الإعلامية للترويج لها؟ وكيف يمكن لهذه الحملات أن توثر على سوق العمل ومعدلات البطالة في البلاد؟ وهل تحولت كثير من هذه الحملات إلى أدوات استغلال للباحثين والباحثات عن فرص وظيفية؟ وكيف يمكننا قراءة حملات التطوع في السياق الحقوقي المحلي. يهدف هذا التقرير إلى فهم الوضع الحالي للمفهوم التطوع في السعودية، وكيف يتم استغلاله لصالح الاستبداد واللعب بمقدرات الوطن.
لم يكن العمل التطوعي غريبا على مجتمعنا، بل كان مجتمعنا ولا زال شغوفا بالبذل سواء كان بالمال أو الجهد. وبعد عقود من محاربة العمل الخيري في الداخل والخارج، يبدو أن الحكومة السعودية وجدت في العمل التطوعي ضالتها وجاءت أزمة كوفيد في ٢٠٢٠ لتسهل المهمة وتستغل الجائحة لاستغلال رغبة المجتمع في التطوع في تقليل توفير الفرص الوظيفية بشكل ملحوظ، أو فتح الباب أمام الشركات الربحية لاستغلال حاجة العاطلين الباحثين عن أي فرصة عمل ولو بالقليل. إن استغلال أزمة الجائحة لإطلاق حملة التطوع إنما يهدف إلى تغطية فشل الحكومة في محاولاتها لخفض نسب البطالة المرتفعة في البلاد، حيث يتم إيهام المتطوعين بأن يتم احتساب تطوعهم كرصيد عند التقدم لأي وظيفة، الأمر الذي لا يحدث عادة. فعندما لا تشفع الشهادات العلمية والخبرات العملية والدورات التدريبية، فلن تشفع ساعات التطوع في ظل شح الوظائف وفشل الاقتصاد. ويتضح استغلال المتطوعين والمتطوعات من خلال تسخيرهم في أعمال شاقة أو لصالح منظمات ربحية، أو لجهات لا تمت إلى التطوع بصلة. فحين يتم دعوة الشباب والشابات إلى جهات جاذبة كالترفيه للعمل كمتطوعين، في وقت تذهب فيه مداخيل الترفيه المليارية إلى حفنة من الفنانين من أنحاء المعمورة، حينها تزيد الشكوك حول هدف هذه الحملات الحقيقي. وقد افتخر رئيس هيئة الترفيه آل الشيخ في ٢٠١٩ أنه حقق ٢٢ ألف متطوع في موسم الرياض تلك السنة! ولك أن تتخيل كم من الملايين قد حصل عليها لو لم يقم باستغلال هذا العدد الهائل من شباب وشابات الوطن. وقد اشتكى كثير من المغردين ما يتعرضون له من استغلال تحت مسمى التطوع، وأطلقوا وسم #لا_للتطوع_الاستغلالي وانتقدوا فيه ما يتم استغلال بشع للراغبين في التطوع. يقول أحدهم: ”عملك بدون مقابل لأي جهة ربحية ليس تطوع.. أنت كذا قاعد تسد شواغر وظيفية يحتاجها الباحثين عن عمل. هذا استغلال حقيقي مقابل “شهادة شكر” قيمتها ٣ ريال“. كما يقول آخر: كمية الاستغلال من الشركات للمتطوعين فضيعة، استعباد القرن ٢١ هو التطوع، أمانة منطقة الرياض لديها ميزانية من الحكومة للصيانة .. وليست قطاع غير ربحي !! استغلال الناس بالطريقة السيئة هذي مخجلة بحقنا“. بالإضافة إلى مئات التغريدات الأخرى التي تصف الواقع المؤلم لهذا التوجه.
لا ينكر أحد أن الأعمال التطوعية تعتبر من السمات الإيجابية للمجتمعات، إلا أنها تتطلب في الوقت ذاته من ممارسيها ثقافة ووعياً لحمايتهم وحماية حقوقهم من الاستغلال. كما أن استغلال أزمة الجائحة يظهر في التلاعب في أرقام معدلات البطالة في البلاد. ففي حين يعاني اقتصاد البلاد من معدلات بطالة مرتفعة بين الشباب والشابات مؤخرا، تدعي الحكومة أنها استطاعت خفض معدل البطالة في تقريرها الأخير، الأمر الذي لا يمكن الوثوق به خصوصا وأن أصوات العاطلين عن العمل تتعالى في الفترة الأخيرة بشكل ملحوظ. كما يعزي بعض المراقبين إلى أن تلاعب الحكومة بأرقام البطالة جاء بسبب أخطر من البطالة نفسها وهو خروج الشباب من سوق العمل وعدم ثقتهم فيه على عكس الشابات، الأمر الذي يهدد اقتصاد البلد على المدى الأبعد. كما يعزي بعض المحللين إلى إمكان اعتماد الحكومة على المتطوعين كقوة عاملة محسوبة في معادلة حساب البطالة. ويمكننا باطمئنان أن نقول أن أي فرصة تطوعية يشغلها شاب أو شابة، فإنها تفوت في الوقت نفسه فرصة عمل على شاب أو شابة آخرين. ولتقريب الصورة فإن العمل الذي يقوم به موظف ما براتب ما (فليكن ٧٠٠٠ ريال شهريا) فإنه في الوضع الحالي سيتم توزيع هذا العمل على سبعة متطوعين مقابل حفنة من المال لا تكفي لوقود مركباتهم.
إن نظام التطوع السعودي الجديد إنما هو حلقة جديدة في سلسة انتهاك حقوق الإنسان في البلد الذي يعاني من عدة مشكلات اقتصادية وحقوقية. ويحق لكل شاب وشابة التساؤل عن حقيقة هذا التوجه وهل هو التوجه الأمثل في مواجهة البطالة؟ وكيف يمكن حماية حقوق الإنسان في ظل استغلال مالي بشع من قبل الشركات التي تعاني أصلا من خطر الإفلاس، واستغلال حكومي أبشع من خلال التلاعب بالحالمين بفرصة وظيفية من خلال ”تطويعهم“ في أعمال ربحية أو ترفيهية التي من المفترض أن يتم توظيفهم فيها بمقابل مادي. وأخيراً، كيف يمكن الوثوق بأداء حكومة تعتمد على المتطوعين في أداء واجباتها والتزاماتها، أو كيف تتم الدعوة إلى التطوع مع إعلان الحكومة من خلال عدد من الوزارات كالصحة والتعليم إلى نقص الكوادر لديهما. إننا هنا لا ندعو إلى إيقاف أو نبذ التطوع، ولن ينجح أحد كائن من كان في نزع روح التفاني ونفع الناس من أهل بلاد الحرمين، فقد كانوا ولا زالوا رواداً للعمل الخيري، بل ندعو إلى إيقاف استغلال العمل التطوعي ليكون في خدمة المستبد، وأن لا يكون التطوع بديلا عن حق الناس في الحصول على عمل شريف برواتب تناسب المداخيل المليارية لبلد النفط. كما ندعو جميع أبناء وبنات الوطن إلى الحذر من ”لصوص التطوع“.