السلطات السعودية ترفض السماح للمقررة الأممية الخاصة بالمسنين كلوديا ماهلر بزيارة الدكتور سفر الحوالي والدكتور سلمان العودة رغم طلبها الرسمي

في ختام زيارتها الرسمية إلى المملكة العربية السعودية، أدانت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق كبار السن، الدكتورة كلوديا ماهلر، منع السلطات السعودية لها من مقابلة الشيخ الدكتور سفر الحوالي (75 عامًا) والداعية الدكتور سلمان العودة (68 عامًا)، وهما من كبار السن المحتجزين منذ سنوات على خلفية آرائهما الدينية والسياسية، ويواجهان خطر الإهمال الطبي وسط ظروف احتجاز مقلقة.

ورغم أنها قدمت طلبًا رسميًا قبل 24 ساعة من الموعد المحدد، رفضت سلطات سجن الحائر في الرياض السماح لها بلقائهما، ووصفت المقررة هذا المنع بأنهانتهاك صريح لشروط مرجعية زيارات الإجراءات الخاصة التابعة للأمم المتحدة، والتي تضمن للمقررين حق الوصول غير المقيّد إلى المحتجزين ولقائهم على نحو مستقل وسري.

وأشارت إلى أن السلطات حرمتها من الاطلاع المباشر على أوضاع سجنَين مسنَّين بارزَين، كانا ولا يزالان محل قلق أممي واسع بسبب تدهور حالتهما الصحية والحرمان من الزيارات والعلاج، مؤكدة أن هذا الرفض يعكس استمرار سياسة حجب الحقيقة عن المجتمع الدولي، وتخلف المملكة عن احترام التزاماتها تجاه آليات حقوق الإنسان الدولية.

وأضافت ماهلر أن مكتب هيئة حقوق الإنسان داخل السجن لا يضطلع بأي عمل محدد لحماية كبار السن من المحتجزين، كما لم يقدم أي معلومات عن وجود مسنّات معتقلات أو كبار السن في أجنحة مشددة الحراسة، مشيرة إلى أن السجن لا يوفر أي برامج أو أنشطة مصممة خصيصًا لكبار السن.

وفي سياق متصل، اعتبر الدكتور سعيد الغامدي، رئيس مجلس أمناء منظمة سند، أن رفض السلطات السعودية السماح بزيارة المقررة الأممية المعنية بحقوق كبار السن يناقض التصريحات الأخيرة لرئيس جهاز أمن الدولة عبد العزيز الهويريني، الذي ناشد المعارضين بالعودة إلى البلاد متعهدًا بعدم المساس بهم، وقال الغامدي:

بعد إعلان مسؤول جهاز أمن الدولة الهويريني مناشدته للمعارضين بالعودة وتعهدِه بعدم المساس بهم، يناقض النظام السعودي نفسه باستمراره في الإجراءات القمعية، ومن آخرها رفض السلطات السماح لمقررة الأمم المتحدة المختصة بالمسنين بزيارة الشيخين سفر الحوالي وسلمان العودة، اللذين، مع كِبَرِ سنّهما، يعانيان من أمراض عديدة وإهمالٍ طبيٍّ متعمد، وهذا يؤكد أن حكومة ابن سلمان مستمرة في نهجها القمعي، وعدم مبالاتها بما وقّعت عليه بخصوص الإجراءات الخاصة في الأمم المتحدة، والتي من ضمنها ضمان حق المقررين في الوصول إلى المحتجزين واللقاء بهم بطريقة مستقلة وسرية.”

كما أشار الغامدي إلى أن هيئة حقوق الإنسان السعودية لا تؤدي دورًا حقيقيًا في حماية الحقوق، بل تمثل مجرد أداة دعائية بيد النظام، مؤكدًا أن:

المقررة الأممية كشفت بوضوح حقيقة هيئة حقوق الإنسان، التي أنشأها النظام القمعي نفسه لتكون أداة دعاية سياسية تُستخدم لتجميل صورته دوليًا، دون أن يكون لها أي تأثير فعلي أو استقلالية في الواقع“.

من جانبه، أكد عبدالله الغامدي، عضو مجلس أمناء سند، على أن تكرار الوفيات في السجون نتيجة الإهمال الطبي، وآخرها وفاة قاسم القثردي، يكشف حجم الكارثة الحقوقية التي تتستر عليها السلطات، مشيرًا إلى أن ما لا يقل عن عشرة معتقلين توفوا في عهد محمد بن سلمان بسبب الإهمال والتعذيب، ولفت إلى أن استمرار منع الرقابة الدولية المستقلة، وتهميش كبار السن والمرضى، يكشف زيف الشعارات التي ترفعها رؤية 2030، حيث قال في تصريح خاص بسند:

هذا الموقف يكشف مجددًا عدم جدية نظام ابن سلمان في أي إصلاح حقيقي، واستهتاره بالتزاماته الدولية، خصوصًا تلك المتعلقة بآليات حقوق الإنسان، كما أن تهميش كبار السن والمرضى، وغياب سياسات شاملة لرعايتهم، يفضح زيف الشعارات التي تروج لها رؤية 2030، ويؤكد أن هيئة حقوق الإنسان ليست سوى واجهة شكلية لتجميل وجه النظام القمعي، الجدير بالذكر أن ما لا يقل عن عشرة معتقلين في عهد ابن سلمان لقوا حتفهم في سجون السعودية بسبب الإهمال الطبي والتعذيب النفسي، وما خفي أعظم، ما يعكس حجم الكارثة الإنسانية التي تتستر عليها السلطات.”

تمييز ممنهج ضد غير المواطنين من كبار السن

كما انتقدت المقررة الأممية الإقصاء المنهجي لكبار السن غير السعوديين من الخدمات الصحية والاجتماعية، فرغم أن غير المواطنين يشكلون أكثر من 40٪ من السكانوبينهم نسبة كبيرة من كبار السنلا يُسمح لهم بالاستفادة من الرعاية الصحية المجانية أو المعاشات التقاعدية، ويُلزمون بالحصول على تأمين خاص، مما يعرضهم للفقر والإقصاء.

وأكدت أن الحكومة تفتقر إلى سياسة وطنية شاملة قائمة على الحقوق لكبار السن، وأن رؤية 2030 لا تتضمن أي التزام صريح بالمساواة أو الحماية الاجتماعية الشاملة لكبار السن، مما يترك المهاجرين والنساء والعاملين في القطاع غير الرسمي في دائرة التهميش.

قصور قانوني ومؤسسي واسع النطاق

وأوضحت ماهلر أن نظامحقوق كبار السنالذي أُقر في 2022 لا يزال دون تطبيق فعلي على الأرض، وأن الوعي به بين المواطنين منخفض، كما لفتت إلى أن العمر لا يُعد أساسًا محظورًا للتمييز في الدستور السعودي، ما يجعل كبار السن عرضة للإقصاء في مجالات مثل الصحة والتوظيف والخدمات العامة.

وأضافت أن برامج الأندية الاجتماعية والأنشطة الثقافية تركّز على المتقاعدين من النخب الحكومية وأصحاب الدخل المرتفع، بينما تُقصى النساء المسنات وكبار السن من غير السعوديين وذوي الدخل المنخفض من معظم هذه المبادرات.

استنتاجات وتوصيات نهائية

وفي ختام ملاحظاتها، قالت المقررة إن السعودية تعاني من غياب المنظور الحقوقي، والتمييز ضد غير المواطنين، وسوء أوضاع كبار السن في السجون، وعدم كفاية الضمانات القانونية، كلها عوامل تُشكّل انتهاكًا صريحًا للمعايير الدولية.

وأكدت أن تحضيرات السعودية لاستضافة إكسبو 2030 وكأس العالم 2034 يجب أن تتماشى مع التزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان، وخصوصًا ضمان كرامة وحماية كبار السن على قدم المساواة، داعية إلى إنشاء هيئة وطنية عليا لكبار السن، وتوسيع الحماية الاجتماعية والرعاية الصحية لتشمل الجميع دون تمييز.

وتعتبر منظمة سند هذا المنع مؤشرًا خطيرًا على تعمّد السلطات إخفاء الانتهاكات والتستر على ما يتعرض له معتقلو الرأي، خصوصًا من كبار السن، من معاملة لا إنسانية داخل السجون.

ويمثل كل من الدكتور الحوالي والدكتور العودة نموذجين بارزين لمعاناة كبار السن المعتقلين تعسفيًا في المملكة، حيث يقبعان خلف القضبان منذ سنوات دون محاكمة عادلة، في ظل تقارير موثوقة تؤكد تعرضهما للإهمال الطبي وسوء المعاملة والحرمان من الحقوق الأساسية.

وتزداد خطورة هذا الوضع في ظل استمرار الوفيات داخل السجون، كما حدث مع المعتقل قاسم القثردي، وهو من كبار السن، الذي توفي قبل أيام في ظروف غامضة داخل المعتقل بعد حرمانه من الرعاية الصحية، ما يعزز المخاوف من تفاقم أوضاع المسنين المحتجزين تعسفيًا.

وتؤكد سند أن منع زيارة المقررة الأممية لا يُعد مجرد انتهاك للحق في الرقابة الدولية المستقلة، بل يمثل أيضًا إمعانًا في سياسة التعتيم، وغيابًا تامًا للشفافية، في وقت تسعى فيه السلطات السعودية لتقديم نفسها على المسرح الدولي كمضيف لفعاليات كبرى مثل إكسبو 2030 وكأس العالم 2034، في تناقض صارخ مع واقعها الحقوقي الداخلي.

وفي السياق ذاته قال فهد الغويدي، المتحدث الرسمي باسمسند“: إن رفض السلطات السعودية السماح للمقررة الأممية الخاصة بكبار السن بزيارة بعض السجناء من كبار السن، الذين تتدهور حالتهم الصحية والذهنية شيئًا فشيئًا في ظل إهمال واضح ومتعمد، وعدم وجود أي جهة رقابية مستقلة تتابع أوضاع السجناء عمومًا وكبار السن خصوصًا، يُدلّل بشكل قطعي على أن الرؤية التي تنشدها المملكة، والتحول الكبير الذي يرغب به النظام، قد غاب عنه الأساس الذي ينبغي أن يرتكز عليه، وهو الجانب الحقوقي، ويستطيع المواطن والمقيم في السعودية أن يلحظ ذلك بوضوح من خلال المرافق العامة، والخدمات الأساسية، والبنية التحتية، التي غابت عنها مراعاة الشريحة الأضعف اجتماعيًا من كبار السن، بالإضافة إلى ذوي الاحتياجات الخاصة.

وأضاف الغويدي: إنه، ومع كثرة التقارير الحقوقية، والشهادات، والأدلة التي وصلت إلى حد المقاطع المصورة، والتي تعكس البيئة غير الإنسانية وغياب أدنى درجات الحقوق الآدمية للمعتقلين داخل سجون ومعتقلات النظام، يصبح الوضع كارثيًا بالنسبة للمعتقل الذي تجاوز الستين أو السبعين من عمره، أو الذي يعاني من إعاقة جسدية أو مشكلات ذهنية ونفسية.

وحول دور المنظمات الحقوقية، قال الغويدي: ومن هنا، فإن الواجب المُحَتَّم على الجمعيات الحقوقية عمومًا، وعلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة خصوصًا، هو القيام بواجباتهم الحقوقية التي تمليها عليهم ضمائرهم قبل مسؤولياتهم المهنية، وذلك بالاستمرار في الضغط على النظام في السعودية من أجل مراعاة الجانب الحقوقي والإنساني لهذه الفئة من المعتقلين.

كما حمّل الغويدي السلطات السعودية المسؤولية الكاملة عن أوضاع المعتقلين، فقال: ونحن في سند، نحمّل النظام والسلطات السعودية كامل المسؤولية عن تدهور الحالة الصحية للمعتقلين، والتي أدّت إلى وفاة عدد كبير من الحالات.

زر الذهاب إلى الأعلى