التقرير السنوي لمنظمة سند لعام 2022 “عام من مضاعفة الأحكام”

من خلال تقريرها السنوي (2022 عام من مضاعفة الأحكام) سلطت منظمة سند الحقوقية الضوء على الحالة الحقوقية في المملكة العربية السعودية خلال عام 2022 وما رصدته من انتهاكات للحقوق والحريات. وقد كان مضاعفة الأحكام وتغليظها العنوان الأبرز في وضع حقوق الإنسان في السعودية وسابقة خطيرة تُنبئ عن أوقات عصيبة قد يواجهها ملف الحقوق والحريات في المملكة، و التقرير –للتحميل هنا– يذكر الأحداث والوقائع بشكل مفصّل.

فبعد عزلة سياسية دولية عاشها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بعد مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده باسطنبول، وبعد تقارير دولية حقوقية وصحفية واستخباراتية تؤكد دور الأمير في اغتياله.. يبدو أن المجتمع الدولي فضل تقديم المصالح على العدالة في خطوة مخيبة للآمال لكل المطالبين بالحقوق والحريات في العالم.

آواخر عام 2021 بدأ شيء من العزلة السياسية التي عاشتها السعودية بالانحسار، لكنه كان أكثر وضوحاً في الربع الأول من العام 2022 بزيارة رئيس وزراء بريطانيا بورس جونسون مارس 2022 في ذات اليوم الذي صادف أكبر مجزرة جماعية من الاعدامات، أعقبها زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن ثم المستشار الألماني.كل هذه الزيارات ومحاولة فك العزلة السياسية عن ولي العهد السعودي كانت مقايضة رخيصة من الغرب بين المصالح السياسية والاقتصادية وبين العدل والحريات وحقوق الانسان، إن هذا التغير الدبلوماسي في العلاقات الدولية بين السعودية وعدد من الدول كان بمثابة ضوء أخضر للأمير محمد بن سلمان لارتكاب مزيد من الانتهاكات الكبيرة والتجاوزات الخطيرة.

عام من مضاعفة الأحكام

ففي ذات اليوم الذي استُقبل فيه رئيس وزراء بريطانيا تمت أكبر مجزرة جماعية في تاريخ السعودية، حيث أعدمت الحكومة 81 موطناً بتهم تتعلق بحرية الرأي والتعبير، على الرغم من تأكيد ولي العهد أن الإعدامات اقتصرت على من قتل شخصاً آخر، كما قامت المحكمة الجزائية المتخصصة بإصدار عشرة أحكام أخرى بالإعدام بحق عدد من معتقلي الرأي.

ورصدت منظمة سند الحقوقية استمرار السلطات السعودية باعتقال عدد من المواطنين دون تهم واضحة، أو بتهم تتعلق بحرية التعبير حيث رصدت سند تنفيذ السلطات الأمنية حملات اعتقالات طالت نخبة من الأكاديميين والناشطين من أبناء البلد حيث بلغ من تم اعتقالهم خلال 2022 “48” شخصاً أبرزهم، د. عبد الرحمن بن يوسف الرحمة والقارئ عبد المجيد الأركاني وعمران الأركاني، والأستاذ محمد بن محسن باصرة كما تم الكشف مؤخراً عن “10” اعتقالات لعدد من الناشطين في وقت سابق مثل: د. عبد الله معروف وموسى عمر علي غازي وعبد الله بن سعيد ثويني.

كما استمرت الانتهاكات في السجون ضد عدد من معتقلي الرأي، من إهمال طبي متعمد ومماطلات في إطلاق سراح من استكمل مدته أو من لم توجه له تهم البتة، وقد وثقت سند عدداً من الانتهاكات بناء على وثائق حصلت عليها، ومنها: أخذ الإقرار بالإكراه، وقضاء فترة طويلة في السجن دون معرفة التهمة، والسجن الانفرادي، كما تأكد لمنظمة سند الحقوقية قيام السلطات السعودية بقتل عبدالله الكامل من خلال التعذيب الوحشي داخل السجن.

 ومن أبرز الانتهاكات التي تعرض لها المعتقلون النقل إلى جناح المرضى النفسيين ما جعل حياتهم عرضة للخطر،  حيث تعرض د. محمد القحطاني  للاعتداء الجسدي أثناء نومه من أحد المساجين بعد نقله إلى جناح المرضى النفسيين. كما بدا لافتاً هذا العام تعرض عدد من المعتقلين إلى إعادة محاكماتهم بعد انتهاء محكومياتهم أو زيادة أحكامهم دون مسوغ قانوني وقد رصدت سند مضاعفة أحكام عدد من المعتقلين منهم الشيخ خالد الراشد وأسامة فيلالي و د. محمد الحضيف ود. سعود الفنيسان، بالإضافة لنورة القحطاني، وعبد المجيد الاركاني وغيرهم من المعتقلين.

واستمراراً لمسلسل اضطهاد قبيلة الحويطات رصدت منظمة سند الحقوقية قيام المحكمة الجزائية المتخصصة بإصدار أحكام جديدة طويلة الأمد ضد أبناء الحويطات حيث أصدرت حكماً بالسجن مدة 27 سنة ضد عبدالناصر أحمد  الحويطي وحكماً بـ 20 سنة بحق ولده أحمد عبدالناصر الحويطي وقامت بإصدار حكما بالسجن مدة 35 سنة ضد محمود أحمد الحويطي وحكماً بالسجن 50 عاماً ضد عبد الإله الحويطي وحكماً بـ 50 عاماً أيضاً ضد عبد الله دخيّل الحويطي، كما رصدت منظمة سند الحقوقية إصدار المحكمة الجزائية حكما بقتل القاصر عبد الله الحويطي وعطا الله الحويطي وإبراهيم الحويطي وشادي الحويطي على خلفية تهم تتعلق برفضهم التهجير القسري من منازلهم.

وعلى الرغم من إفراج السلطات السعودية عن بعض المعتقلين بعد انقضاء محكوميتهم أمثال فهد السنيدي وعبدالرحمن العريفي وغيرهم إلا أن الإفراج عنهم جاء ملحوقاً بأحكام المنع من السفر لنفس المدد التي قضوها في السجون، حيث أكدت مصادر لسند أن عدد الممنوعين من السفر تجاوز الـ 70 ألف مواطن ومواطنة بما فيهم عائلات المعتقلين والناشطين و المعارضين إضافة إلى عائلات من أسرة آل سعود نفسها والمقربين منها. كما أن سبب الإفراج تعلق أحياناً بالظروف الصحية كما حدث مع د. عبد العزيز الزهراني حيث تأكد لمنظمة سند الحقوقية أن سبب إطلاق سراحه هو إصابته بمرض السرطان، وقد تدهورت حالته الصحية في الأيام الأخيرة بشكل كبير نتيجة الإهمال الطبي وعدم تقديم الرعاية الطبية اللازمة له في السجن.

ولم يخلُ عام 2022 من عقوبة الإعدام والتي تستخدمها السلطات كأداة ابتزاز سياسي وقمع حكومي ضد خصومها السياسيين أو المعارضين، حيث أعدمت السلطات فقط يوم السبت 12 مارس 2022 “81” شخصاً بتهمة الإرهاب حسب رواية الحكومة إلا أن سند ترى أن هذه الإعدامات تفتقد للشفافية وسلامة الإجراءات الجزائية، وهي ليست إلا وسيلة من قبل النظام لإرهاب الشعب ومنعه من المطالبة بحقوقه الأساسية، وهو ما أكدته مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان حيث بيّنت أن أنظمة الرصد الخاصة بها تشير إلى أن ”بعض الذين أعدِموا حُكم عليهم بالإعدام إثر محاكمات لم تلبِّ شروط المحاكمة العادلة وضمانات الإجراءات القانونية الواجبة، وجرائم لا يبدو أنها تفي بأشد الجرائم خطورة كما يقتضي القانون الدولي” كما أدانت المفوضية هذه الجريمة.

عام من مضاعفة الأحكام

ورصدت منظمة سند الحقوقية استمرار النظام السعودي في عمليات الهدم والإزالة في محافظة جدة غرب السعودية والتي يزعم النظام أن عملية الهدد لأجل مشاريع تطويرية، إلا أن هذه العمليات تسببت في تشريد الآلاف من المواطنين قسرياً من أحياء جدة وهو ما تقدره الاحصاءات من جهات حقوقية بأكثر من 72 ألف إنسان وباتت المئات من العائلات فعلاً مشردة بلا مأوى، حيث لم توفر لهم السلطة منازل بديلة قبل عملية إخلائهم ولم تعوضهم بما يكفي لشراء أو استئجار منازل بديلة. كما أن معاناة أكثر من ربع مليون مواطن من البدون في السعودية مازالت مستمرة حيث الحرمان من أبسط الحقوق المدنية، في ظل التهميش والبطش الحكومي، والعنصرية، والتفريق، كل تلك حالت دون إنهاء معاناتهم الإنسانية.

ورصدت سند الانتهاك الذي تعرضت له يتيمات خميس مشيط من اعتداء مجموعة من عناصر الأمن بشكل مفزع على الفتيات داخل دار الأيتام، وعلى الرغم من الانتهاك الفضيع إلا أن السلطات لم تُبدِ ردة فعل إيجابية تجاه الحادثة سوى بيان من إمارة عسير بفتح تحقيق لم تُعرف نتائجه. ورصدت منظمة سند الحقوقية، استمرار النظام في انتهاك حرية الصحافة حيث رصدت اعتقال عشرات الصحفيين أمثال مالك الأحمد وخالد العلكمي وزهير كتبي وزانة الشهري وعبدالله المالكي وغيرهم.

كما رصدت سند قيام السلطات السعودية بمنع شخصيات من الحج بسبب مواقفهم تجاه بعض القضايا أو  بسبب ممارستهم حرية التعبير، كما أنه قام باستدراج بعض الحجاج والمعتمرين من خلال منحهم تأشيرات نظامية للحج والعمرة ليتم اعتقالهم عند وصولهم، ثم ترحيلهم إلى بلدان أخرى تتعرض حياتهم فيها للخطر، منهم العالِم الديني الأويغوري حمد الله عبد الولي وصديقه نورميت روزي، وفي نفس السياق دعت سند المنظمات الحقوقية للمشاركة في حملة “الحج ليس آمنا”.

زر الذهاب إلى الأعلى